37
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

لسبق الرِّهان ، فاتّقوا اللّه عباد اللّه تقوى مؤمّل ثوابه ، وخائف عقابه ، فقد للّه أنتم أعذر وأنذر ، وشوق وخوف ، فلا أنتم إلى ما شوّقكم إليه من كريم ثوابه ، تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم ممّا خوّفكم به من شديد عقابه ، وأليم عذابه ترهبون فتنكلون ، وقد نبّأكم اللّه في كتابه : « فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّــلِحَـتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِى وَ إِنَّا لَهُو كَـتِبُونَ » .۱
ثُمَّ ضرب لكم الأمثال في كتابه ، وصرّف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال : « إِنَّمَآ أَمْوَ لُكُمْ وَ أَوْلَـدُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللَّهُ عِندَهُو أَجْرٌ عَظِيمٌ » .۲
فاتّقوا اللّه ما استطعتم ، واسمعوا واطيعوا ، فاتّقوا اللّه واتّعظوا بمواعظ اللّه ، وما أعلم إلاّ كثيرا منكم قد هلكته ۳ عواقب المعاصي فما حذّرها ، وأضرّت بدينه فما مَقَّتها ، أما تسمعون النداء من اللّه بعيبها وتصغيرها حيث قال : « اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفَاخُرُ م بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِى الْأَمْوَ لِ وَ الْأَوْلَـدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُو ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَلـهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَـمًا وَ فِى الْأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَ رِضْوَ نٌ وَ مَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَـعُ الْغُرُورِ * سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِى ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » .۴
وقال : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُم بِمَا تَعْمَلُونَ * وَ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَـلـهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَـلـءِكَ هُمُ الْفَـسِقُونَ » .۵
فاتّقوا عباد اللّه ، وتفكّروا واعملوا لما خُلقتم له ، فإنّ اللّه لم يخلقكم عبثا ،

1.الأنبياء : ۹۴ .

2.التغابن : ۱۵ .

3.في بعض النسخ : «نهكته» .

4.الحديد : ۲۰ و ۲۱ .

5.الحشر : ۱۸ و ۱۹ .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
36

ونزول ما لابدّ من لقائه ، وتقديم الحذر قبل الحين ، فإنّ اللّه عز و جل يقول : « حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّى أَعْمَلُ صَــلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ »۱ فلينزلنّ أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا ، النّادم على ما فرّط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته .
واعلموا عباد اللّه ، أ نّه من خاف البيات ۲ تجافى عن الوساد ، وامتنع عن الرُّقاد ، وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ويحك يابن آدم من خوف بيات سلطان ربّ العزة ؟! وأخذه الأليم ، وبياته لأهل المعاصي والذنوب ، مع طوارق المنايا بالليل والنهار ؟! فذلك البيات الّذي ليس منه ۳ منجى ، ولا من دونه ملتجأ ، ولا منه مهرب ، فخافوا اللّه أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين ، وأهل التقوى ، فإنّ اللّه يقول : « ذَ لِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَ خَافَ وَعِيدِ » .۴
فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها ، وسرورها وشرورها ، وتذكّروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإنّ زينتها فتنة ، وحبّها خطيئة ، واعلم ويحك يابن آدم! إنّ قسوة القلوب البِطْنة ، وكظة الملاة ۵ ، وسَكرة الشبع ، وغرّة المُلك ممّا يُثبّط ۶ ويبطئ عن العمل ، ويُنسي الذكر ، ويُلهي عن اقتراب الأجل ، حتّى كأنّ المُبتلى بحبّ الدنيا به خَبَلٌ من سُكر الشراب ، وإنّ العاقل عن اللّه ، الخائف منه ، العامل له ، لَيُمرِن نفسه ، وَيعوّدها الجوع ، حتّى ما تشتاق إلى الشبع ، وكذلك تَضمُرُ الخيلَ ۷

1.المؤمنون : ۹۹ و ۱۰۰ .

2.«البيات» : الهجوم على الأعداء ليلاً .

3.في نسخةٍ «له» بدل «منه» .

4.إبراهيم : ۱۴ .

5.في نسخةٍ «فطرة الميلة» بدل «كظة الملاة» .

6.«ثبّط»: بمعنى عوّقه .

7.«تضمير الفرس» : إن تعلفه حتّى يسمن ، ثمّ ترده عن القوت ، وذلك في أربعين يوما .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227315
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي