111
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

قال اللّه : « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـؤُاْ »۱ ، فلا تلتمسوا شيئا ممّا في هذه الدنيا بمعصية اللّه ، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة اللّه ، واغتنموا أيّامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب اللّه ، فإنّ ذلك أقل للتَّبِعَة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنّجاة ، فقدّموا أمر اللّه وطاعته ، وطاعة من أوجب اللّه طاعته بين يدي الأُمور كلّها ، ولا تقدّموا الأُمور الواردة عليكم ، من طاعة الطواغيت، وفتنة زَهْرةِ الدنيا بين يدي أمر اللّه وطاعته ، وطاعة أولي الأمر منكم.
واعلموا أنّكم عبيد اللّه ، ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيّدٌ حاكمٌ غدا ، وهو موقفكم ومسائلكم ، فعدّوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة ، والعَرْض على ربّ العالمين : يومئذٍ « لا تَكلَّمُ نفسٌ اِلاّ بِاذنه »۲ واعلموا إنّ اللّه لا يصدّق يومئذٍ كاذبا ، ولا يكذّب صادقا ، ولا يردّ عذر مستحقّ ، ولا يعذر غير معذور ، بل للّه الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل .
فاتقوا اللّه عباد اللّه ، واستقبلوا من اصلاح أنفسكم وطاعة اللّه ، وطاعة من تولّونه فيها ، لعلّ نادما وقد ندم على ما قد فرّط بالأمس في جنب اللّه ، وضيّع من حقّ اللّه ، واستغفروا اللّه وتوبوا إليه ، فإنّه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيّئات ، ويعلم ما تفعلون .
وإيّاكم وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا من فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم ، واعلموا أنّه من خالف أولياء اللّه ، ودان بغير دين اللّه ، واستبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه ، كان في نار تلتهب ، تأكل أبدانا ، وقد غابت عنها أرواحها ، غلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حرّ النّار ، ولو كانوا أحياءً لَوَجدوا مُضَضَ حرّ النّار . ۳
فاعتبروا يا اُولي الأبصار ، واحمدوا اللّه على ما هداكم ، واعلموا أنّكم

1.فاطر : ۲۸ .

2.هود : ۱۰۵ ، والآية هكذا : يوم يأت لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقى وسعيد .

3.قال المجلسي في مرآة العقول ، ج ۴ ، ص ۲۵۳ : بأن المراد أنّهم موتى في دار الدنيا بالغفلة عما يُراد بهم ، فلا يجدون حرّ نار والسخط والخذلان ، ولو كانوا أحياءً لوجدوا مضض ذلك .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
110

وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ، ليذر القلوب ۱ عن تنبيهها ، وتذهلها عن موجود الهُدى ، ومعرفة أهل الحق ، إلاّ القليل ممّن عصم اللّه ـ جلّ وعزّ ـ ، وليس يعرف تصرّف أيّامها ، وتقلّب حالاتها ، وعاقبة ضرر فتنتها ، إلاّ من عصمه اللّه ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك سبيل ۲ القصد ، ثُمَّ استعان على ذلك بالزهد ، فكرّر الفكر ، واتّعظ بالعبر وازدجر ، فزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذّاتها ، ورغب في نعيم دار الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وَشَنِأَ ۳ الحياة مع القوم الظّالمين .
فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيّرة ۴ ، حديدة النظرة ، وَأبْصَر حوادث الفتن ، وضلال البدع ، وجور ملوك الظلمة ، فقد لعمري استدبرتم من الأُمور الماضية في الأيّام الخالية من الفتن المتراكمة ، والانهماك فيها ، ما تستدلون به على تجنّب الغُواة وأهل البدع والبغي ، والفساد في الأرض بغير الحقّ ، فاستعينوا باللّه ، وارجعوا إلى طاعته ، وطاعة من هو أولى بالطاعة ، ممّن اتّبع فأُطيع ، فالحذر الحذر من قبل النّدامة والحسرة ، والقُدوم على اللّه ، والوقوف بين يديه ، وتاللّه ما صدر قومٌ قطّ عن معصية اللّه إلاّ إلى عذابه ، وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلاّ ساء منقلبهم ، وساء مصيرهم ، وما العزّ ۵ باللّه والعمل بطاعته إلاّ ألْفانِ مُؤْتَلِفان ، فمن عرف اللّه خافه ، فحثّه الخوف على العمل بطاعة اللّه ، وإنّ أرباب العلم و أتباعهم الّذين عرفوا اللّه فعملوا له ، ورغبوا إليه ، وقد

1.في بعض المصادر «لتثبط القلوب» ، وفي نسخة «لتثبّط التثبيط» : التعويق والشغل عن المراد .

2.في بعض المصادر : «طريق» .

3.شنأ الحياة : أي أبغضها .

4.في بعض النسخ «بعين قرة» ، يقال «قرت قرة» بضم القاف وفتحها ، و«قرورة عينه» بردت سرورا أو جف دمعها ، ورأت ما كانت متشوقة له ، فحص قرير العين ، وعينه قريرة . (القاموس وتاج العروس)

5.في بعض المصادر : «العلم بدل العزّ» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227307
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي