245
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

ومحصّل الآيتين تفسير الظلم بالإعراض عن دين اللَّه وطلبه عوجاً ومحرّفاً ، وينطبق على‏ ما يظهر من الآية التي نحن فيها .
قوله تعالى‏ : (قالُوا فِيمَ كُنْتُم) أي في ماذا كنتم من الدين ، وكلمة «مَ» هي ما الاستفهاميّة حذفت عنها الألف تخفيفاً .
وفي الآية دلالة في الجملة على‏ ما تسمّيه الأخبار بسؤال القبر ، وهو سؤال الملائكة عن دين الميّت بعد حلول الموت ، كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى‏ : (الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِم فألْقَوا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلى‏ إنّ اللَّهَ عَليمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ * فادْخُلوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فيها فلَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكبِّرِينَ * وقِيلَ لِلّذِينَ اتَّقَوا ماذا أنْزَلَ رَبُّكُم قالُوا خَيْراً ...)۱الآيات .
قوله تعالى‏ : (قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفينَ في الأرضِ قالوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فتُهاجِروا فِيها) كان سؤال الملائكة (فيمَ كُنْتُم)سؤالاً عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين ، ولم يكن هؤلاء المسؤولون على‏ حال يعتدّ به من جهة الدين ، فأجابوا بوضع السبب موضع المسبّب وهو أنّهم كانوا يعيشون في أرض لا يتمكّنون فيها من التلبّس بالدين ؛ لكون أهل الأرض مشركين أقوياء فاستضعفوهم ، فحالوا بينهم وبين الأخذ بشرائع الدين والعمل بها .۲
قوله تعالى‏ : (يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنوا إنَّ أرْضِي واسِعَةً فإيّايَ فاعبُدونِ) توجيه للخطاب إلَى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون علَى التظاهر بالدين الحقّ والاستنان بسنّته ، ويدلّ على‏ ذلك ذيل الآية .
وقوله : (إنّ أرْضِي واسِعَةٌ) الذي يظهر من السياق أنّ المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها ، وإضافتها إلى‏ ضمير التكلّم للإشارة إلى‏ أنّ جميع الأرض لا فرق عنده في

1.النحل : ۲۸ - ۳۰ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۵ / ۴۸ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
244

الحديث :

۲۱۰۹۸.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَن فَرَّ بدِينِهِ مِن أرضٍ إلى‏ أرضٍ وإن كانَ شِبراً مِن الأرضِ ، استَوجَبَ الجَنّةَ وكانَ رَفيقَ إبراهيمَ ومحمّدٍ .۱

۲۱۰۹۹.الإمامُ الباقرُ عليه السلام- في قولِهِ تعالى‏ :(يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا إنَّ اَرضي ...)-: لا تُطِيعوا أهلَ الفِسقِ مِن المُلوكِ ، فإن خِفتُموهُم أن يَفتِنوكُم على‏ دِينِكُم فإنّ أرضِي واسِعَةٌ ، وهُو يقولُ : (فيمَ كُنْتُم قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ في الأرْضِ)فقالَ : (ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فتُهاجِروا فِيها) .۲

۲۱۱۰۰.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام- في قولِهِ تعالى‏ :(يا عِباديَ الّذِينَ آمَنوا إنَّ اَرضي ...)-: إذا عُصِيَ اللَّهُ في أرضٍ أنتَ فيها فاخرُجْ مِنها إلى‏ غَيرِها .۳

التّفسير :

قوله تعالى‏ : (إنّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائكةُ ظالِمِي أنْفُسِهِم) لفظ (تَوفّاهُم) صيغة ماض أو صيغة مستقبل ، والأصل تتوفّاهم حذفت إحدَى التاءين من اللفظ تخفيفاً ، نظير قوله تعالى‏ : (الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائكةُ ظالِمِي أنْفُسِهِم فألْقَوا السَّلَمَ ماكُنّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ)۴ .
والمراد بالظلم - كما تؤيّده الآية النظيرة - هو ظلمهم لأنفسهم بالإعراض عن دين اللَّه وترك إقامة شعائره من جهة الوقوع في بلاد الشرك والتوسّط بين الكافرين ؛ حيث لا وسيلة يتوسّل بها إلى‏ تعلّم معارف الدين ، والقيام بما تندب إليه من وظائف العبوديّة ، وهذا هو الذي يدلّ عليه السياق في قوله : (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفينَ في الأرضِ...) إلى‏ آخر الآيات الثلاث .
وقد فسّر اللَّه سبحانه الظالمين - إذا اُطلق - في قوله : (لَعْنَةُ اللَّهِ علَى الظّالمينَ * الّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ ويَبْغُونَها عِوَجاً)۵ .

1.مجمع البيان : ۳ / ۱۵۳ .

2.تفسير القمّي : ۲ / ۱۵۱ .

3.مجمع البيان : ۸ / ۴۵۵ .

4.النحل : ۲۸ .

5.الأعراف : ۴۴ ، ۴۵ ، هود : ۱۸ ، ۱۹ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 145875
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي