شرح نهج البلاغه (ما سلم من شرح الوبري لنهج البلاغة) - الصفحه 41

[ بسم اللّه الرحمن الرحيم ]
قال: لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلونَ.
قال الإمام الجليل الوَبَريّ رحمه الله : هذا الكلام يحتمل وجهين:
أَحدهما: أَنَّ مَنْ كانت له حالةٌ رفيعة يستحقّ بها التّعظيم ، فلا وقتَ ينتهي إِليه مدحُه ويقف عليه ، بل ما مِن وقت في المستقبل إِلاَّ وحقُّه ثابتٌ فيه إِلى ما لا نهاية له. وهذا مستمِرٌّ شاهداً وغائباً.
والثّاني: أَنَّ الممدوحَ يستحقُّ التّعظيمَ والمدح بكلِّ خَصلةٍ من خصال الخير يفعلها ، فلمّا كانت أَفعال اللّه تعالى كلُّها مختصَّةً بالحسن والإِحسان ، ولا يمكن عدُّها وإِحصاؤها على التَّفصيل كما قال: «وَ إِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ »۱ ، فلا يمكن للخلائق ـ وإِنْ بذلوا مجهودهم ـ أَن يبلغوا تعظيمه ومدحَه على التّفصيل ، وإنَّما يمدحونه جملةً، فهذا معنى قوله: لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ.
ولا يُحْصِي نَعْماءَهُ العَادُّونَ ـ ولا يُحْصِي بَقاءه۲العَادُّونَ ـ .
وقال الإِمام الجليل الوَبَريّ رحمه الله : العادُّون الذين يَسْتَفرِغون وُسعَهم في حصر الأَعداد والإِحاطةِ بالأَفراد ، فليس في وُسعِهم أَنْ يَعرفوا أَعداد الأَوقات المقدَّرة في حقِّه تعالى، فالإحصاء يختَصُّ بالجُمَل ، ۳ والعدُّ يَختصُّ بالأفراد ؛ قال اللّه تعالى: «لَّقَدْ أَحْصَـلـهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»۴ . ۵

1.سورة إبراهيم، الآية ۳۴.

2.في «د»: لَعماءه ، وفي «خ»: بعاه ، بدون نقط ، وقراءة الكلمة على الصِّحَّة: بقاءَه ، ويدلّ عليه شرح الفقرة هنا.

3.في «د»: بالجنس ، وما أثبتناه هو المناسب لسياق العبارة.

4.سورة مريم، الآية ۹۴.

5.معارج ، ص ۱۵۹.

الصفحه من 80