إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان المیزان) - الصفحه 261

إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان الميزان)

السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد رسله وخاتم أنبيائه محمّد الصادق الأمين ، وعلى الأئمّة المعصومين من آله الطيّبين الطاهرين .
وبعدُ ، فإنّ علم الجرح والتعديل من المعارف الإسلاميّة المهمّة التي يبتني عليها المهمّ من أمر إحراز السنّة الشريفة ، والاستيثاق منها ، والتأكُّد من سلامة طرقها ووسائل إثباتها ، وهي الأسانيد الحاوية لأسماء الرواة .
وقد بذل علماء الاُمّة الإسلاميّة المجيدة قُصارى جهودهم في تحقيق هذا العلم . فحدّدوا معالمه ، ونقّحوا مسائله ، وألّفوها في كُتب جامعة .
ومن أشهر مؤلّفات «الجرح» هو كتاب «لسان الميزان» الذي ألّفه الحافظ ، شيخ الإسلام ، ابن حَجَر العسقلاني (ت 852) مُعقّباً ما أورده الذهبيّ التركماني (ت 748) في كتابه «ميزان الاعتدال» .
وبما أنّ الذهبي معروف بحنبليّته ، فلذلك قد أبدى في كتابه كثيراً من التعصُّب ،
وخلّط في كثير من المواضع ، وبالأخصّ عندما يتورّط بعلوم ـ غير التاريخ ـ ممّا لا عَهْدَ له بها ، ولم تكن له فيها يدٌ أو باع أو شأن ، كالكلام والفقه والعلوم العقلية ، وحتّى فقه الحديث ومتن الحديث ، وعلوم اللغة والأدب ، فإنّ كلّ هذه المعارف لم يتعمّقْ فيها ، وإنّما تخصّص بِعلم تاريخ الرجال ، فلذلك وقع في مؤلّفاته ـ عندما يتعرّض لما لا يَعنيه ـ في كثير من الغلط والتجديف والتكلّف والتحكّم على الواقع والحقّ ، مستخدماً أساليبَ القذف والتكذيب ، سيّما إذا واجه واحداً من أولياء أهل البيت(عليهم السلام) وأتباع مذهبهم ، فإنّه يُغْرِقُ سهماً في المغالطة والإيهام ، وإبراز الكراهيّة ، وكَيْل الاتّهام ، والإغراء لقرّائه بالحطّ والغضّ عن المكارم والمحاسِن ، ويُحاول التشكيك والتهوين لها ، مع التضخيم والتهويل لما يراهُ جرحاً وقدحاً ، ولا يألُو جُهْداً في كلّ هذه الألوان من التصرّفات مع مَنْ يُخالفه في الرأي والهوى .
وقد عُرِفَ الذهبيّ بما ذكرنا من التصرّفات عند أهل نحلته من علماء السنّة ، فضجّوا منها ومنه ، لمّا رأوهُ لا يتقيّد بحدٍّ في ذلك ، ولايردعهُ دين ، أو موضوعيّة ، أو وجدان ، فتصدّوا له في مؤلّفاتهم ، حَذَراً من ضياع الحق الذي أخفاه ، وخوفاً من نفاذ الباطل الذي أبداه ۱  .
وفي مقدمة الذين عقّبوهُ بالاستدراك : الحافظ ، الشافعيّ ابن حَجَر العسقلانيّ ، فقد قابَلَ تصرّفات الذهبي ، بالردّ والتصحيح مستخدماً اُسلوباً يتّسِمُ بالأدب والإنْصاف ، مع الفَهم الجيّد والموضُوعيّة ، مُحاولاً تعديل ما أوهمه الذهبي في ميزانه .
وقد يعودُ اعتدال ابن حَجَر وإنصافه إلى علمه الزاخِر وموسوعيّته الشاملة لأكثر العلوم الإسلاميّة ، كالفقه ، والحديث ، واللغة ، مضافاً إلى تبحّره في علوم
تاريخ الرواة وتراجم الرجال ، مما جَعَلَه أقدر وأوْعَب ، وأبرز وأعمق ، في مواقفهمع الذهبيّ عندما يُؤاخذُهُ ، ويُساجلِه .
ومن أجل ذلك كان (لسان الميزان) أكبر فائدةً من (ميزان) الذهبيّ ، وأكثر تدقيقاً ، وأعمّ وأشملُ مساحةً واستيعاباً ، ممّا حدا بالحافظ ابن حَجَر أنْ يُعلن عن أسَفه بالانشغال بكتاب الذهبي ، فقال : «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ، لم أتقيّد بالذهبيّ ، ولجعلتُه ـ يعني اللسان ـ كتاباً مبتكراً» ۲  .
ولكنّ عمل ابن حجر ، هو الآخر ، لا يخلو من بعض المخالَفات ، سواء في المنهج ، أَم في الأحكام القاسية؟
فكانَ من الضروريّ ، إيقاف أهل العلم ، وطلاّبه المنصفين ، على ذلك ، كي لا ينظروا إلى مَنْ قال ، ولا يغتروا بما أثبته في كتابه من الخلاف للواقع ، وإنْ كان ذلك لا يُنافي الاهتمام بكتابه والاستفادة مما فيه من فوائد قيّمة .
ولمّا وقفتُ على الطبعة الحديثة من «لسان الميزان» الصادرة عام (1415) بتحقيق ومراجعة «ستة عشر» محقّقاً ، وبإشراف «محمّد عبد الرحمن المرعشلي» في مكتب التحقيق بدار إحياء التراث العربيّ ; وجدتها عملاً قيّماً ، لمتانة الجهد المبذول في سبيلها .
ثم إنّ الاستاذ المشرف «المرعشلي» قدّم للكتاب مقدّمة طويلة الذيل ، سمّاها «فتح المنّان بمقدمة لسان الميزان» في (564) صفحة ، أورد فيها ما يلزم من التعريف بالكتاب ، والمؤلّف ، والموضوع ، بشكل واسع جدّاً .
فقرأت هذه المقدّمة كلّها ، وجمعت في هذه الدراسة ما ينبغي أن يُسجّل كملاحظات عليها ، في سبيل الهدف الذي ذكرته وهو : إصلاح ما فيها من تحريف
واضح ، أو بُعد عن الصواب اللائح ، وتنبيه للقرّاء على ما في أصل اللسان من العوج ، وما فيه من المخالفات للمنهج ، وإيقاف طلاّب العلم على ما يخصّ المذهب الشيعيّ ورواة حديثه الذين استهدفهم الجارحون ، وإيقاظ الوسنان الذي يجدُ ما في اللسان والميزان وأمثاله من دون أن ينتبه على كونه مقلوباً وغير موزون .
فإنّ المحقّقين الأفاضل ، لكتاب لسان الميزان ، بما فيهم الاستاذ المشرف ، لم يكونوا إلاّ في صدد ذكر محاسن الكتاب والتمجيد به ، مع بعض الإشارات إلى الأخطاء والتصحيحات ، إلاّ أنّهم لم يُشيروا ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ إلى ما سنذكره ، مضافاً إلى وقوع المشرف في تهافت لابدَّ من تنبيهه عليه .
ولستُ في هذه الدراسة إلاّ متطلّعاً إلى الحقّ وناشداً للحقيقة ، وأسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، إنّ اُريد إلاّ الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلتُ وإليه اُنيب و  لا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم .
حُرّر في (5 شهر رمضان المبارك 1416)
وكَتَبَ
السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي

1.لاحظ قاعدة في الجرح والتعديل ، وقاعدة في المؤرخين للتاج السبكي (ص ۱۴ و۱۶ و۳۱ و۳۵ و۳۶) .

2.نقله السخاوي في كتابه «الجواهر والدرر» عن الحافظ ابن حجر ، لاحظ كتاب (تعريف أهل التقديس) المقدمة (ص ۱۷) .

الصفحه من 294