المَعاد - الصفحه 6

فهل تظنّون أ نّما خلقناكم عبثاً : تَحيون وتموتون من غير غاية باقية في خلقكم وأ نّكم إلينا لا ترجعون ؟
وقوله : (فَتَعالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلهَ إلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ الكَريمِ)۱ إشارة إلى‏ برهان يُثبت البعث ، ويدفع قولهم بالنفي في صورة التنزيه ؛ فإنّه تعالى‏ وصف نفسه في كلمة التنزيه بالأوصاف الأربعة : أ نّه ملك ، وأ نّه حقّ ، وأ نّه لا إله إلّا هو ، وأ نّه ربّ العرش الكريم . فله أن يحكم بما شاء من بدءٍ وعَودٍ وحياةٍ وموت ورزق ، نافذاً حكمه ماضياً أمره لملكه ، وما يصدر عنه من حكم فإنّه لا يكون إلّا حقّاً ، فإنّه حقّ ولا يصدر عن الحقّ بما هو حقّ إلّا حقّ دون أن يكون عبثاً باطلاً .
ثمّ لمّا أمكن أن يتصوّر أنّ معه مصدر حكم آخر يحكم بما يبطل به حكمه وصفه بأنّه لا إله - أي لا معبود - إلّا هو ، والإله معبود لربوبيّته ، فإذن لا إله غيره فهو ربّ العرش الكريم - عرش العالم - الذي هو مجتمع أزمّة الاُمور ، ومنه يصدر الأحكام والأوامر الجارية فيه .
فتلخّص : أ نّه هو الذي يصدر عنه كلّ حكم ، ويوجد منه كلّ شي‏ء ، ولا يحكم إلّا بحقّ ، ولا يفعل إلّا حقّاً ، فللأشياء رجوع إليه وبقاء به وإلّا لكانت عبثاً باطلة ولا عبث فِي الخلق ولا باطل فِي الصنع .
والدليل على اتّصافه بالأوصاف الأربعة كونه تعالى‏ هو اللَّه الموجود لذاته الموجد لغيره .۲
قوله تعالى‏ : (وَما خَلَقْنا السَّماءَ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ...) إلى‏ آخر الآية : لمّا انتهى الكلام إلى‏ ذكر يوم الحساب عطف عنان البيان عليه فاحتجّ عليه بحجّتين : إحداهما ما ساقه في هذه الآية بقوله : (وَما خَلَقْنا السَّماءَ ...) إلخ وهو احتجاج من طريق الغايات ؛ إذ لو لم يكن خلق السماء

1.المؤمنون : ۱۱۶ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۵/۷۲ - ۷۳ .

الصفحه من 22