85
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

سادساً : دعوة أهل الكوفة للإمام عليه السلام‏

لم يدعُ أحدٌ الإمامَ الحسين عليه السلام في جميع أرجاء العالم الإسلامي للثورة ضدّ حكومة يزيد سوى أهل الكوفة، ولذلك فقد كان من أجوبة الإمام على‏ المعترضين ، ۱ الاستنادُ إلى الكتب التي دعاه فيها أهل الكوفة للقدوم . ولو أنّ الإمام عليه السلام كان قد توجّه في مثل هذا الجوّ إلى منطقة اُخرى لإعلان الثورة ، وقُتل على‏ يد عمّال الحكومة ، لاتّهم بعدم الحنكة السياسية .

سابعاً : منع الحكومة الاُموية الإمامَ عليه السلام من الذهاب إلى الكوفة

كان وصول الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة يشكّل خطراً كبيراً على الاُمويّين ، ولذلك فقد بذل يزيد وعمّاله - قبل السيطرة الكاملة لابن زياد على الكوفة - كلّ جهدهم من أجل الحيلولة دون ذهاب الإمام إلى الكوفة ، حتّى إنّ يزيد مدّ يد العون إلى ابن عبّاس ۲ كي يمنع الإمام من الذهاب إلى الكوفة ، كما سعى عمرو بن سعيد - والي مكّة - لأن يحول دون ذهاب الإمام ، وأرسل مجموعة تمنع الإمام عليه السلام من مغادرة مكّة ، إلّا أنّ الإمام عليه السلام اتّجه إلى العراق بعد قتال يسير . ۳
وعلى هذا ، فقد كانت الكوفة من حيث الموقع الثقافي والسياسي والاجتماعي والعسكري والجغرافي أفضل منطقة لبدء الثورة ضدّ حكومة يزيد ، ولذلك يقول السيّد المرتضى رحمة اللَّه عليه في تحليل وقعة كربلاء :
إنّ أسباب الظفر بالأعداء كانت [ظاهرة] لائحة متوجّهة ، وإنّ الاتّفاق عكس الأمر وقلبه حتّى تمّ فيه ما تمّ‏ . ۴
ورغم أنّنا لا نؤيّد هذا الرأي ، إلّا أنّنا نعتبر الكوفة أفضل خيارٍ لتحقيق أهداف النهضة الحسينية للأسباب السابقة ، وسوف نسلّط الضوء أكثر على هذا الموضوع .

1.راجع : ص ۵۴۸ (الفصل السادس : من أشار على الإمام عليه السلام بعدم التوجّه نحو العراق / بحير بن شداد) وص ۵۶۲ (عبداللَّه بن مطيع) .

2.راجع : ص ۵۸۱ (الفصل السابع / جهود يزيد لصرف الإمام عليه السلام عن الخروج) .

3.راجع : ص ۶۱۶ (الفصل السابع / خيبة شرطة عمرو بن سعيد في منعهم الإمام عليه السلام عن الخروج) .

4.تنزيه الأنبياء : ص ۱۷۶ ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۹۸ .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
84

خامساً : حضور محبّي أهل البيت عليهم السلام‏

رغم أنّ عدد الشيعة والأتباع المخلصين لأهل البيت عليهم السلام في الكوفة - كما سنوضح ذلك - كان قليلاً ۱ ، إلّا أن محبّي أهل البيت والأشخاص الذين كانوا يعبّرون عن حبّهم لأهل بيت الرسالة كانوا كثيرين في هذه المدينة ، بل نظراً إلى أنّ الكوفة كانت مركز الحكومة العادلة للإمام عليّ عليه السلام لما يقرب من خمس سنوات ، وكان عدد كبير من كبار أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد قدموا معه إلى هذه المدينة ، فانتشرت بذلك أحاديث كثيرة بين أهلها بشأن فضائل أهل البيت عليهم السلام ، فأصبحت الكوفة تدريجياً مركزاً لمحبّي أهل البيت عليهم السلام في العالم الإسلامي ، ولذلك فبعد موت معاوية وعندما بدأت مجموعة صغيرة من الأتباع المخلصين لأهل البيت عليهم السلام نشاطها الإعلامي لمبايعة الإمام الحسين عليه السلام ومحاربة الحكومة الاُموية ، سيطر أتباع الإمام عليه السلام خلال فترة قصيرة على الجوّ العام للمدينة مستغلّين الجوّ الاجتماعي المنفتح الناجم عن ضعف والي الكوفة .
ولكنّ أهل مكّة والمدينة لم يكونوا يميلون لأهل البيت عليهم السلام كما كان الحال بالنسبة لأهل الكوفة ؛ وذلك بسبب الظروف السياسية المهيمنة عليهم . وفي هذا المجال ينقل ابن أبي الحديد ، عن أبي عمر النهدي ، عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه قال :
ما بِمَكَّةَ وَالمَدينَةِ عِشرونَ رَجُلاً يُحِبُّنا . ۲
وهناك في المقابل روايات كثيرة تدلّ على الكثرة النسبية لمحبّي أهل البيت في الكوفة كما نقل عن الإمام الباقر عليه السلام :
إنَّ وَلايَتَنا عُرِضَت عَلى‏ أهلِ الأَمصارِ فَلَم يَقبَلها قَبولَ أهلِ الكوفَةِ بِشَي‏ءٍ . ۳وهناك روايات اُخرى أيضاً تؤيّد أنّ أنصار أهل البيت عليهم السلام في الكوفة كانوا أكثر من أيّ مدينة اُخرى ، رغم أنّ حبّ غالبيّتهم لم يبلغ حدّ الدفاع العملي والتضحية بالنفس ، ولكنّ أهل البيت لم يكن لهم في المدن الاُخرى هذا العدد من الموالين ، ولذلك فعندما أجبر ابن زياد أهل الكوفة على التوجّه إلى كربلاء ومحاربة الإمام عليه السلام فإنّ الكثير منهم هربوا أثناء الطريق ولم يشهدوا كربلاء . يقول البلاذري في هذا المجال :
وكان الرجل يبعث في ألف فلا يصل إلّا في ثلاثمئة أو أربعمئة وأقلّ من ذلك ؛ كراهةً منهم لهذا الوجه‏ . ۴

1.راجع : ص ۹۶ (أقسام الشيعة في ذلك العصر) .

2.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۴ ص ۱۰۴ ، بحار الأنوار : ج ۳۴ ص ۲۹۷ .

3.ثواب الأعمال : ص ۱۱۴ ح ۲۰ ،كامل الزيارات : ص ۳۱۴ ح ۵۳۳ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۴۶ ح ۶ .

4.راجع : ص ۷۱۵ ح ۷۶۰ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 284613
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي