2. الجوّ السياسي والاجتماعي في الكوفة
تقدّم في تحليل آخر ۱ أنّ اختيار الكوفة كمركز للنهضة الحسينية ضدّ حكم يزيد لا يعني أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعتقد بأن كلّ أهل الكوفة قد غيّروا سلوكهم ، وأنّهم مستعدّون بشكل كامل للتعاون معه عليه السلام رغم مواقفهم السابقة لأبيه الإمام عليّ عليه السلام وأخيه الإمام الحسن عليه السلام ، بل إنّ الإمام كان قد توصّل من خلال تقييم النقاط الإيجابية والسلبية لأهل الكوفة إلى هذه النتيجة ، وهي : إنّ هذه المدينة تعدّ أفضل مكان لبداية النهضة .
وقد كان الجوّ السياسي والاجتماعي المتأثّر بسخط الناس على حكم يزيد ، ونشاطات أنصار الإمام الحسين عليه السلام ، وضعف والي الكوفة النعمان بن بشير ، بالشكل الذي أدّى إلى أنّ عدداً من الوجهاء الانتهازيين - مثل: شبث بن رِبعي وحجّار بن أبجر العجلي وعمرو بن الحجّاج - قد فضّلوا أن ينضمّوا إلى جمع الأشخاص الذين راسلوا الإمام عليه السلام وطلبوا منه القدوم إلى الكوفة ، فكتب هؤلاء الأشخاص معاً رسالة واحدة .
ولاشكّ في أنّ الجوّ العام لتأييد الإمام عليه السلام كان جوّاً مفتعلاً ، ولكنّ مسلماً عليه السلام كان مكلّفاً بأخذ البيعة من الناس للإمام وتهيئة الأرضية للثورة ضدّ حكم يزيد ، وقد أحسن أداء هذه المهمّة ، وبايعه خلال مدّة قصيرة حشد من أهالي الكوفة بشكل رسمي .
وبالطبع فإنّ مسلماً كان يعلم أنّ هذه الحركة لا يمكن أن تقترب من الانتصار النهائي إلّا بعد أن يصل قائدُها - أي الإمام الحسين عليه السلام - إلى الكوفة بسرعة ، وفي حالة تأخّره فإنّ من المحتمل جدّاً أن تغيّر إجراءاتُ الاُمويين المضادّة الجوَّ السائد ، ولذلك فقد طلب من الإمام عليه السلام في كتاب بعثه إليه أن يعجّل مجيئه إلى الكوفة ، وعلى العكس من ذلك فقد كان يزيد وعملاؤه يسعون من أجل ألّا يقترب الإمام من الكوفة . ۲
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ سابقاً ، فإنّ مسلماً لم يكن منزّهاً عن التقصير في أداء مهمّته فحسب ، بل إنّه أحسن القيام بواجبه ، ولكنّ مساعيه فشلت لبعض الأسباب .
وذكرنا فيما تقدّم أسباب فشل جهود مسلم وعوامله خلال تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة . ۳