541
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

2. الجوّ السياسي والاجتماعي في الكوفة

تقدّم في تحليل آخر ۱ أنّ اختيار الكوفة كمركز للنهضة الحسينية ضدّ حكم يزيد لا يعني أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعتقد بأن كلّ أهل الكوفة قد غيّروا سلوكهم ، وأنّهم مستعدّون بشكل كامل للتعاون معه عليه السلام رغم مواقفهم السابقة لأبيه الإمام عليّ عليه السلام وأخيه الإمام الحسن عليه السلام ، بل إنّ الإمام كان قد توصّل من خلال تقييم النقاط الإيجابية والسلبية لأهل الكوفة إلى هذه النتيجة ، وهي : إنّ هذه المدينة تعدّ أفضل مكان لبداية النهضة .
وقد كان الجوّ السياسي والاجتماعي المتأثّر بسخط الناس على حكم يزيد ، ونشاطات أنصار الإمام الحسين عليه السلام ، وضعف والي الكوفة النعمان بن بشير ، بالشكل الذي أدّى إلى أنّ عدداً من الوجهاء الانتهازيين - مثل: شبث بن رِبعي وحجّار بن أبجر العجلي وعمرو بن الحجّاج - قد فضّلوا أن ينضمّوا إلى جمع الأشخاص الذين راسلوا الإمام عليه السلام وطلبوا منه القدوم إلى الكوفة ، فكتب هؤلاء الأشخاص معاً رسالة واحدة .
ولاشكّ في أنّ الجوّ العام لتأييد الإمام عليه السلام كان جوّاً مفتعلاً ، ولكنّ مسلماً عليه السلام كان مكلّفاً بأخذ البيعة من الناس للإمام وتهيئة الأرضية للثورة ضدّ حكم يزيد ، وقد أحسن أداء هذه المهمّة ، وبايعه خلال مدّة قصيرة حشد من أهالي الكوفة بشكل رسمي .
وبالطبع فإنّ مسلماً كان يعلم أنّ هذه الحركة لا يمكن أن تقترب من الانتصار النهائي إلّا بعد أن يصل قائدُها - أي الإمام الحسين عليه السلام - إلى الكوفة بسرعة ، وفي حالة تأخّره فإنّ من المحتمل جدّاً أن تغيّر إجراءاتُ الاُمويين المضادّة الجوَّ السائد ، ولذلك فقد طلب من الإمام عليه السلام في كتاب بعثه إليه أن يعجّل مجيئه إلى الكوفة ، وعلى العكس من ذلك فقد كان يزيد وعملاؤه يسعون من أجل ألّا يقترب الإمام من الكوفة . ۲
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ سابقاً ، فإنّ مسلماً لم يكن منزّهاً عن التقصير في أداء مهمّته فحسب ، بل إنّه أحسن القيام بواجبه ، ولكنّ مساعيه فشلت لبعض الأسباب .
وذكرنا فيما تقدّم أسباب فشل جهود مسلم وعوامله خلال تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة . ۳

1.راجع : ص ۷۷ (الفصل الثالث / تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق وثورة الكوفة) .

2.راجع : ص ۳۹۸ (الفصل الرابع / نصب ابن زياد أميراً على الكوفة) وص ۵۱۸ (الفصل الرابع / كتاب يزيد إلى ابن زياد يشكره على ما فعل ويحرّضه على الحسين عليه السلام) .


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
540

1. نطاق مهمّة مسلم‏

الأمر الأوّل الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في تقييم ما أنجزه مسلم ، هو موضوع مهمّته ونطاقها ، وقد جاء هذا الموضوع بوضوح في كتاب الإمام عليه السلام إلى أهل الكوفة ، وهذا هو نصّ الكتاب استناداً إلى رواية المصادر التاريخية :
وقَد بَعَثتُ إلَيكُم أخي وَابنَ عَمّي وثِقَتي مِن أهلِ بَيتي مُسلِمَ بنَ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ ، وقَد أمَرتُهُ أن يَكتُبَ إلَيَّ بِحالِكُم ورَأيِكُم ورَأيِ ذَوِي الحِجا وَالفَضلِ مِنكُم ، وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلى‏ ما قِبَلِكُم إن شاءَ اللَّهُ تَعالى ، وَالسَّلامُ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ ، فَإِن كُنتُم عَلى‏ ما قَدِمَت بِهِ رُسُلُكم وقَرَأتُ في كُتُبِكُم ، فَقوموا مَعَ ابنِ عَمّي وبايِعوهُ وَانصُروهُ ولا تَخذِلوهُ‏ . ۱
ويدلّ هذا النصّ على أنّ مهمّة مسلم الرئيسة كانت تقييم جوّ الكوفة السياسي والاجتماعي عن كثب ، وتحقيقاً لهذا الهدف فقد طلب الإمام من أنصاره أن يبايعوه ويعينوه في الاُمور المتعلّقة بتنظيم الثورة ضدّ حكم يزيد .
وبالإضافة إلى ذلك ، فإنّ التعبير ب «أخي» و«ثقتي» يدلّان على المكانة السامية لمسلم عليه السلام في كمالاته الروحية من جهة ، واعتماد الإمام عليه السلام عليه بدرايته وحنكته السياسية من جهة اُخرى . والآن يجب أن نرى إلى أيّ مدى كان مسلم ناجحاً في أداء هذه المهمّة؟

1.راجع : ص ۳۶۱ ح ۲۴۷ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 284713
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي