115
نَهجُ الذِّكر ج2

ـ تعالى ـ وتحفظه من الآفات التي تهدّده ، وجملة «أعوذ باللّه » هي في الحقيقة المجسّدة لتلك الحالة النفسيّة .
على هذا الأساس ، فمن أجل حدوث هذه الحالة النفسية ، تجب في الخطوة الأُولى إزالة موانعها . وهذه الموانع متباينة حسب الحالات المختلفة ، وعلى سبيل المثال فإنّ الذي يلجأ إلى اللّه من شرّ المخلوقات المؤذية ، لا يمكنه أن يدخل يده في حجر الحيّة ثمّ يقرأ «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ» ! و بناءً على ذلك فإنّ الشرط الأوّل لتحقّق حقيقة الاستعاذة تجنّب موانع الالتجاء ، ولنعم ما قيل :

إنّما الاستعاذة باللسان ماوافق الجوارح والأركان
لا القول «أعوذ باللّه » باللسان والإسراع خلف الأهواء والشيطان
لا القول «أعوذ باللّه » وفي الأفعال يقتفي البزيئان
إذا لم تنته عن الرذائل لم تك«أعوذ» منك «أعوذ بالرحمن»
وإنّما هي عند أهل العرفان«أعوذ بالشيطان» لا بالرحمن
تقول باللفظ «أعوذ» واُخرى«لا حول» تُجري على اللسان
في فيك سمّ قاتل وتدّعيبالقول أنّك محتمٍ عن الرَّدي
لكنّ أفعالك تحكي غيرهُوتُكذِبُ ذَا القولَ باللسان
متى تبقى بهذي الحلية والتلبيسبيت الشيطان وسُخرة إبليس
قد ساق إبليس بكلّ سرعة إلى نفسكوهو يجري الاستفاذة على لسانك
فهل تكون إلّا كالذيفي نهب داره لصّا أعان
ثمّ باللهفة نادى والعويلاقبضوا اللصّ قبل الروغان۱
بعد اجتناب موانع الاستعاذة كلّما سمت معرفة الإنسان باللّه سبحانه وازداد إحساسه بالخطر في الاُمور التي تهدّده كلّما تحقّقت الاستعاذة فيه بشكلٍ أجلى .

1.جدير بالذكر أنّ هذا الشعر كان باللغة الفارسيّة وتمّت ترجمته إلى العربيّة .


نَهجُ الذِّكر ج2
114

الاستعاذة في الكتاب والسنّة

لقد وردت مادة «عوذ» في القرآن الكريم سبع عشرة مرة بأشكال مختلفة . فقد أكّد هذا الكتاب السماوي على التمتّع ببركات ذكر «الاستعاذة» في أربع آيات بجملة «قل . . .» ۱ وفي أربع آيات بجملة «فاستعذ باللّه » ۲ .
إنّ الاستعاذة في الكتاب والسنّة هي في الحقيقة نوع من استعانة الإنسان بخالق العالم لمواجهة الآفات و الأخطار والأعداء الداخليين والخارجيين .
وقد تكون الاستعاذة أحيانا ، استعانة ببعض صفات اللّه ـ تعالى ـ للتحصن من آثار بعض صفاته الاُخرى مثل ما نقل عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخاطبا اللّه ـ عزّ و جلّ ـ :
أعوذُ بِرِضاكَ مِن سَخَطِكَ ، وأعوذُ بِرَحمَتِكَ مِن نَقِمَتِكَ ، وأعوذُ بِكَ مِنكَ .۳
ومن الضروري هنا الالتفات إلى ثلاث ملاحظات قبل ملاحظة ما جاء في هذا القسم حول الاستعاذة :

1 . حقيقة الاستعاذة

الاستعاذة في حقيقتها أن نجعل أنفسنا في ملجأ المستعاذ به . وهذه الاستعاذة قد تكون مادية و قد تكون معنوية .
فعندما يرتدي الإنسان في ساحة الحرب درعا واقيا من الرصاص للحفاظ على حياته ، أو عندما يدخل الخندق ، فإنّه بذلك قد جعل نفسه في حمى الدرع والخندق ، وهذه هي الاستعاذة المادية .
وأمّا الاستعاذة المعنوية فهي حالة نفسيّة خاصّة تجعل الإنسان في حمى اللّه

1.المؤمنون : ۹۷ و ۹۸، الفلق : ۱، الناس : ۱ .

2.الأعراف : ۲۰۰، النحل : ۹۸، غافر : ۵۶، فصّلت : ۳۶ .

3.راجع : ص ۲۷۳ ح ۲۳۸۹ .

  • نام منبع :
    نَهجُ الذِّكر ج2
    المساعدون :
    الافقي، رسول
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1428 ق / 1386 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 173147
الصفحه من 679
طباعه  ارسل الي