403
نَهجُ الذِّكر 1

وهو :
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي لَو حَبَسَ عَن عِبادِهِ مَعرِفَةَ حَمدِهِ عَلى ما أبلاهُم مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ ، وأسبَغَ عَليهِم مِن نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ ؛ لَتَصَرَّفوا في مِنَنِهِ فَلَم يَحمَدوهُ ، وتَوَسَّعوا في رِزقِهِ فَلَم يَشكُروهُ ، ولَو كَانوا كَذلِكَ لَخَرَجوا مِن حُدودِ الإِنسانِيَّةِ إلى حَدِّ البَهيمِيَّةِ ، فَكانوا كَما وَصَفَ في مُحكَمِ كِتابِهِ :«إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَـمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً»۱.۲
بعبارة اُخرى فإنّ الشكر من جنود العقل والكفران من جنود الجهل ، كما نقل عن الإمام الصادق عليه السلام في بيان جنود العقل والجهل :
وَالشُّكرُ وضِدُّهُ الكُفرانُ .۳
فالبهائم لا تدرك الشكر لأنها لا تمتلك العقل ، فالحمار لا يشكرك مهما أنعمت عليه أو قدمت له من خدمة ، ولكن العقل يدعو الإنسان إلى شكر ولي نعمته ، ولا شك في أن كل نعمة تصيب الإنسان ، هي من جانب اللّه .
«وَ مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» . ۴
على هذا الأساس فإنّ العقل يحكم بعدم وجود أحد يستحق الحمد والشكر أكثر من اللّه .
ولذلك يؤكّد الإمام علي عليه السلام قائلاً :
لَو لَم يَتَوَعَّدِ اللّهُ عَلى مَعصِيَةٍ لَكانَ يَجِبُ ألّا يُعصى شُكرا لِنِعَمِهِ .۵
بناء على ذلك ، فكلّما ازداد نصيب الإنسان من العقل وابتعد أكثر عن حدود

1.الفرقان : ۴۴ .

2.راجع : ج ۱ ص ۵۱۳ ح ۱۳۹۵ .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۲ ص ۲۴۴ ح ۳۱۱ (جنود العقل والجهل) .

4.النحل : ۵۳ .

5.نهج البلاغة : الحكمة ۲۹۰. راجع : ميزان الحكمة «وجوب شكر المنعم» .


نَهجُ الذِّكر 1
402

بناء على ذلك فإن أكمل وأفضل مادح للّه ـ تعالى ـ ، هو اللّه نفسه ذلك لعدم وجود أي أحد يعرف ذاته المقدّسة مثله ، ولذلك فإنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ ليس الأحق بالمدح فحسب ، بل هو أيضا أفضل مادح لنفسه ، كما نقرأ في الدعاء : «يا خَيرَ حامِدٍ ومَحمودٍ» ۱ .
3 . إنّ تفسير الحمد بالشكر والمفاهيم المشابهة له في الروايات هو تفسير بالأعم ، وممّا لا نشكّ فيه أنّ هذا التفسير لا يعني أن من غير الممكن مدح اللّه دون أخذ نعمه بنظر الاعتبار .
4 . إنّ الأحاديث التي فسّرت «الحمد» ب «حق الشكر» أو «تمام الشكر» أو «وفاء الشكر» ، تريد من ذلك الشكر باللسان بمعنى أنّ كلمة «الحمد» إذا جرت على اللسان من منطلق المعرفة ، فإنّ اللسان يكون قد أدّى واجبه في الشكر حقيقةً وبناء على ذلك ، فإن التفسير المذكور لا ينفي ضرورة الشكر العملي على النعم الإلهيّة والذي ورد التأكيد عليه في الروايات الأخرى ، بل إن الحمد الصادق يستوجب أن يكون الحامد شاكرا من الناحية العملية أيضا على النعم الإلهيّة .

الحدّ بين الإنسان والحيوان

لقد ذكرت في الكتاب والسنّة ، ملاحظات بالغة الأهمية حول حمد اللّه ـ تعالى ـ ومدحه وآثارهما وبركاتهما وهي جميعا دالّة على أهمية هذا الذكر ودوره البنّاء في بناء الإنسان ، سوف نستعرض هذه الملاحظات في خمسة فصول ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ملاحظة دقيقة للغاية في دعاء الإمام السجاد عليه السلام وهي أن «الحمد» هو الحد بين الإنسان والحيوان ، وإذا ما أزيل هذا الحاجز ، خرج الإنسان من حد الإنسانية ودخل في نطاق البهائم ، وقد جاء دعاؤه عليه السلام في أوّل الصحيفة السجّادية

1.راجع : ج ۱ ص ۴۱۱ (خير حامد و محمود) .

  • نام منبع :
    نَهجُ الذِّكر 1
    المساعدون :
    الافقي، رسول
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1428 ق / 1386 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 199517
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي