643
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

413

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام لِعَمَّار بِن ياسِرٍ رحمه الله وقد سَمِعهُ يراجعُ المغيرةَ بنَ شُعبة كلاماً :
دَعْهُ يَا عَمَّارُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلاَّ مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا ، وَعَلَى عَمْدٍ لَبَّسَ عَلَى نَفْسِهِ ، لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ ۱ .

الشّرْحُ:

أصحابُنا غيرُ متَّفقين على السكوت على المغيرة ، بل أكثر البغداديِّين يفسِّقونه ، ويقولون فيه ما يقال في الفاسق . وكان إسلامُ المغيرة من غير اعتقاد صحيح ، ولا إنابة ونيّة جميلة ، كان قد صَحب قوما في بعض الطُّرق ، فاستغفَلهم وهم نيام ، فقتلهم وأخذ أموالهم وهرب خوفا أن يُلحَق فيُقتل ، أو يؤخذ ما فاز به من أموالهم ؛ فقَدم المدينة فأظهر الإسلام ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لا يردّ على أحدٍ إسلامَه . وكانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به ؛ من لعن عليٍّ عليه السلام على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل ، وكان المتوسط من عمره الفِسْق والفُجور وإعطاء البَطْن والفَرْج سؤالهما ، وممالأة الفاسِقِين ، وصرْف الوقت إلى غير طاعة اللّه ، كيف نتولاّه ! وأيّ عُذْر لنا في الإمساك عنه ، وألاّ نكشف للناس فِسْقَه!
فأمّا عمار بن ياسر رحمه الله حليف بني مخزوم ، أسلم هو وأخوه وأبوهما وسميّة اُمهما ، وكان إسلامُهم قديما في أوّل الاسلام ، فعذّبوا في اللّه عذابا عظيما . قتل عمار وهو ابن ثلاثٍ وتسعين سنةً [ في صفّين بين يدي إمامه علي عليه السلام ] ، والخبر المرفوع مشهور في حقّه : «تقتلك الفئة الباغية» . وقال صلى الله عليه و آله وسلم في عمار : «مُلئ إيمانا إلى مشاشه» . وفضائله كثيرة .

1.قوله عليه السلام : «إنه لم يأخذ من الدين ...» ، أراد أنه لا يعمل من الدين إلاّ بما يستلزم دُنْيا ويقرب منها . سقطاته : زلاته . وقوله عليه السلام : «وعلى عمد لبَّس على نفسه ..» ، أراد أنّه أوقع نفسه في الشبهة عامدا لتكون الشبهة عذرا له في زلاّته .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
642

412

الأصْلُ:

۰.قال عليه السلام : وَقَدْ سُئِلَ عن معنى قولهم «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللّهِ» : إِنَّا لاَ نَمْلِكُ مَعَ اللّهِ شَيْئاً ، وَلاَ نَمْلِكُ إِلاَّ مَا مَلَّكَنَا ؛ فَمَتَى مَلَّكَنَا مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنَّا كَلَّفَنَا ، وَمَتَى أَخَذَهُ مِنَّا وَضَعَ تَكْلِيفَهُ عَنَّا .

الشّرْحُ:

مَعنَى هذا الكلام أنّه عليه السلام جعل الحولَ عبارةً عن المِلْكية والتصرّف ، وجعل القوّة عبارةً عن التكليف ، كأنّه يقول : لا تَملُّك ولا تَصرُّف إلاّ باللّه ، ولا تكليف لأمرٍ من الأُمور إلاّ باللّه ؛ فنحن لا نَملِك مع اللّه شيئا ، أي لا نستقلّ بأن نَملِك شيئا ؛ لأنّه لولا إقدارُه إيّانا وخلقته لنا أحياءً لم نكن مالِكِين ولا متصرِّفين ، فإذا ملّكَنا شيئا هو أملك به ـ أي أقدَرُ عليه منّا ـ صرْنا مالكين له كالمال مثلاً حقيقة ، وكالعَقْل والجوارح والأعضاء مَجازا ، وحينئذٍ يكون مكلِّفا لنا أمرا يتعلّق بما ملّكَنا إيّاه ، نحو أن يكلّفنا الزّكاة عند تمليكنا المال ، ويكلّفنا النَّظَر عند تمليكنا العَقْل ، ويكلّفنا الجِهادَ والصّلاة والحجّ وغيرَ ذلك عند تمليكِنا الأعضاء والجوارح ، ومتى أخذ منّا المالَ وَضَع عنا تكليفَ الزّكاة ، ومتى أخَذَ العَقْل سَقَط تكليفُ النّظَر ، ومتى أخذَ الأعضاء والجوارح سَقَط تكليف الجِهاد وما يَجري مجراه .
هذا هو تفسيرُ قوله عليه السلام ؛ فأمّا غيرُه فقد فسّره بشيء آخر ، قال أبو عبد اللّه جعفرُ بنُ محمد عليه السلام : فلا حَوْلَ على الطاعة ولا قوّةَ على تَرْك المعاصي إلاّ باللّه ؛ وقال قوم ـ وهم المجبرة ـ : لا فعل من الأفعال إلاّ وهو صادِرٌ مِن اللّه ، وليس في اللّفظ ما يدلّ على ما ادّعَوْا ؛ والأوْلى في تفسير هذه اللفظة أن تُحمَل على ظاِهرِها ، وذلك أنّ الحَوْل هو القوّة ، والقوّة هي الحَوْل كلاهما مُترادِفان ؛ ولا ريبَ أنّ القدرة من اللّه تعالى ، فهو الّذي أقدَر المؤمنَ على الإيمان ، والكافرَ على الكفر .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111183
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي