591
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الخَيْرِ عن ذِكْرِ رَبِّي» 1 .
وقال أصحاب الفقر : الغِنَى سبب الطُّغيان ، قال اللّه تعالى : «كَلاّ إنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أنْ رَآهُ اسْتَغْنَى» 2 .
[ ثمّ إنّ ابن أبي الحديد أورد أقوالاً حكميّة في الغنى والفقر ، لكنه لم يبيّن الوجه الحقيقي الذي يبتني عليه كلام أميرالمؤمنين عليه السلام . والتحقيق أن يقال: إن الفقر ممقوت يحمل معه الكفر والذل والغربة والنقيصة ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم يستعيذ منه ، ولذا يأمر الامام عليه السلام ولده أن يلتجئ إلى اللّه لدفعه، وذكر له ثلاث معايب مهمة وأساسية ، هي منقصة للدين فإذا اشتدّ الفقر صعب على الإنسان أن يؤدي حقوق اللّه سبحانه، وربما يحمل على الخيانة أو الكذب... الخ .
والفقر أيضا مدهشة للعقل ؛ لان الفقير يعجز عن استجماع قواه العقلية بصورة جيدة ، والثالثة الفقر داعية لمقت الناس واحتقارهم وإهانتهم للفقير . وقد تقدّم قوله عليه السلام في الحكمة 165 : «الفقر الموت الأكبر» ] .

326

الأصْلُ:

۰.وقال لِسَائل سأَله عن مسألة :
سَل تَفَقُّهاً وَلاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً ؛ فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَنِّتَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ ۳ .

الشّرْحُ:

قد ورد نهىٌ كثير عن السؤال على طريق الإعنات .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : «منْ حَقّ العالم ألاّ تكثر عليه بالسؤال ، ولا تُعنِته في الجواب ، ولا تضع له غامضات المسائل ، ولا تلحّ عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ،

1.سورة ص ۳۲ .

2.سورة العلق ۶ ، ۷ .

3.تفقها : تعلّما . تعنتا : طلبا للغلبة وإظهار الخطأ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
590

324

الأصْلُ:

۰.وقيل له عليه السلام : بِأَيِّ شَيْءٍ غَلَبْتَ الأَقران ؟ قال :
مَا لَقِيتُ أحَدا إِلاَّ أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ .

قال الرضي رحمهُ اللّهُ تعالى : يومئُ بذلك إلى تمكُّنِ هَيبتِه في القلوب .

الشّرْحُ:

قالت الحكماء : الوهم مؤثِّر ، وهذا حقّ ، لأنّ المريض إذا تقرّر في وهمه أن مرضه قاتل له ربّما هلك بالوَهم ، وكذلك مَنْ تلسبُه الحيّة ؛ ويقع في خياله أنها قاتلته ؛ فإنه لا يكاد يسلم منها ، فكذلك الذين بارزوا عليّا عليه السلام من الأقران ؛ لما كان قد طار صيتُه ، واجتمعت الكلمة أنه ما بارزه أحد إلاّ كان المقتول ، غلب الوهم عليهم ، فقصرت أنفسهم عن مقاومته ، وانخذلت أيديهم وجوارحهم عن مناهضته ؛ وكان هو في الغاية القصوَى من الشّجاعة والإقدام ، فيقتحم عليهم ويقتلهم .

325

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام لابنِهِ محمّدِ بن الحنفيَّةِ : يَابُنَيَّ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ ؛ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ ، مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ ، دَاعِيَةٌ لِلْمَقْت .

الشّرْحُ:

هذا موضع قد اختلف الناس فيه كثيرا ، ففضّل قومٌ الغنى ، وفضّل قومٌ الفقر .
فقال أصحاب الغنى : قد وصف اللّه تعالى المال ، فسمّـاه خيرا ، فقال : «إنِّي أحببْتُ حُبَّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112964
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي