573
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

مرفوع ۱ .
وقال قومٌ : إنه ليس بإشارةٍ إلى أخ مُعيّن ، ولكنه كلامٌ خارجٌ مخرج المثل ، وعادةُ العرب جارية بمثل ذلك ، مِثل قولهم في الشِّعر : فقلت لصاحبي ، وياصاحبي ، وهذا عندي أقوَى الوجوه .
فأما قولُة عليه السلام : «كان لا يَتَشهَّى ما لا يَجد» ، فإنّه قد نهى أن يتشهى الإنسانُ ما لا يَجِد ؛ وقالوا : إنّه دليلٌ على سُقوط المرُوءة .

296

الأصْلُ:

۰.لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اللّهُ ، عَلَى مَعْصِيَتِهِ ، لَكَانَ يَجِبُ أَلاَّ يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ .

الشّرْحُ:

قالت المعتزِلة : إنَّا لو قَدَّرْنا أنّ الوَعِيد السَّمْعيّ لم يرد لما أخَلّ ذلك بكون الواجب واجبا في العقل ، نحو العدل والصّدق ، والعلم ، وردّ الوديعة ، هذا في جانب الإثبات ، وأمّا في جانب السَّلْب فيَجِب في العَقْل أن لا يَظلِم ، وألاّ يَكذِب ، وألاّ يَجهَل ، وألاّ يَخُون الأمانة ، ثمّ اختَلَفُوا فيما بينهم ، فقالت معتزِلة بغدادَ : ليس الثوابُ واجبا على اللّه تعالى بالعَقْل ؛ لأنّ الواجباتِ إنّما تَجِب على المكلَّف ، لأنّ أداءَها كالشُّكر للّه تعالى، وشكر المُنعِم واجب ، لأنّه

1.المقداد معدود من السبعة الذين أظهروا الإسلام ، وهو محبوب الحقّ تبارك وتعالى ، وأحد النجباء الأربعة عشر من وزراء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ورفقائه ، وسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أوّاباً ، كما أخرجه أبو عمر في الاستيعاب . والصحيح المرفوع بحقّ هذا الصحابي العظيم هو قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « إنّ اللّه أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم : عليّ ؛ والمقداد ؛ وأبوذرّ ؛ وسلمان » . أُنظر : مستدرك الحاكم على الصحيحين : ح۵۴۸۴ و۵۴۸۷ ، سنن الترمذي : ح۳۷۱۸ ، الاستيعاب : القسم الرابع ص ۱۴۸۱ و ۱۴۸۲ ، الإصابة : رقم ۸۱۸۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
572

295

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام : كَانَ لِي فِيَما مَضَى أَخٌ فِي اللّهِ ، وَكَانَ يُعْظِّمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ . وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ ، فَـلاَ يَتَشَهَّى مَا لاَ يَجِدُ ، وَلاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ ، وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً ، فإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ ، وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ ، وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً ! فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ عَادٍ ، وَصِلُّ وَادٍ ، لاَ يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً ، وَكَانَ لاَ يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ ، وَكَانَ لاَ يَشْكُو وَجَعاً إِلاَّ عِنْدَ بُرْئِهِ ، وَكَانَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ وَلاَ يَقُولُ مَا لاَ يَفْعَلُ ، وَكَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَـلاَمِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ ، وَكَانَ عَلَى اَنْ يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ ، وَكَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَخَالفَهُ ، فَعَلَيْكُمْ بِهذِهِ الْخَـلاَئِقِ فَالْزَمُوهَا ، وَتَنَافَسُوا فِيهَا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ ۱ .

الشّرْحُ:

قد اختَلَف الناسُ في المعنيِّ بهذا الكلام ، ومَن هو هذا الأخُ المشار إليه؟ فقال قوم : هوَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، واستبْعَده قومٌ لقوله : «وكان ضعيفا مستضعفا» ، فإن النبي صلى الله عليه و آله وسلم لا يقال في صفاته مثل هذه الكلمة .
وقال قومٌ : هو أبو ذَرٍّ الغِفارِيّ واستبعَدَه قومٌ لقوله : فإن جاء الجدّ فهو لَيث عادٍ ، وصِلُّ واد ، فإن أبا ذَرٍّ لم يكن من الموصوفين بالشّجاعة ، والمعروفين بالبَسالة .
وقال قومٌ : هو المقدادُ بن عَمْرو المعروفُ بالمقداد بن الأسوَد ، وكان من شِيعة عليٍّ عليه السلام المخلِصين ، وكان شُجاعا مُجاهِدا حسنَ الطريق ، وقد ورد في فضلِه حديث صحيح

1.بذّهم : سبقهم وغلبهم . نقع الغليل : أزال العطش . الليث : الأسد الصِلّ : الحية .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111146
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي