535
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

شاء ، ويستخرج منها ما أراد ، أعنِي القُوَى النفسانيّة الّتي هي محلّ الصّوَر والمعاني على ما هو مذكور في موضعه . وأمّا القنيات والمحْسوسات فإنّه يروم منها مِثل ما يَرومُ من تلك ، وأن يُودِعها خزِانةً محسوسةً خارجةً عن ذاته ، لكنّه يَغلَط في ذلك من حيث يَستكْثِر منها ، إلى أن يتنبّه بالحِكْمة على ما ينبغي أن يقتنيَ منها ، فأما من كثرت قِنياته فإنّه يستكثر حاجاتِه بحَسَب كثرة قِنياته ، وعلى قدْرها رغّبه إلى الاستكثارِ بكثرة وجوه فَقْره ، وقد بُين ذلك في شرائع الأنبياء، وأخلاقِ الحكماء، فأما الشيء الرخيصُ الموجود كثيرا فإنّما يُرغَب عنه ، لأنّه معلوم أنه إذا التمسَ وُجد والغالي فإنّما يقدر عليه في الأحيان ويصيبه الواحدُ بعدَ الواحد ، وكلّ إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحدُ ليصيبَه وليحصُلَ له ما لا يَحصُل لغيره .

243

الأصْلُ:

۰.احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ .

الشّرْحُ:

هذا أمرٌ بالشُّكْر عَلَى النعمة وتركِ المعاصي ، فانّ المعاصيَ تُزِيل النِّعَم كما قيل :

إذا كنتَ في نِعمةٍ فارْعَهافانّ المَعاصي تُزيل النِّعَمْ
وقال بعض السلف : كُفْران النِّعْمة بَوار ، وقلّما أقلعتْ نافرةٌ فرجعتْ في نصابها ، فاستَدْعِ شارِدَها بالشّكر ، واستَدِمْ راهنها بكَرَم الجِوار ، ولا تحسب أنّ سُبوغَ ستر اللّه عليك غير متقلّص عمَّا قليل عنك إذا أنتَ لم تَرْجُ للّه وَقارا .

244

الأصْلُ:

۰.الْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ ۱ .

1.قال الشيخ محمد عبده : الرحم ـ هنا ـ كناية عن القرابة ، والمراد ، ينعطف للإحسان بكرمه أكثر مما ينعطف القريب لقرابته . وهي كلمة من أعلى الكلام .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
534

241

الأصْلُ:

۰.إِنَّ للّهِ تعالى فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً ، فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم الكلامُ في هذا المعنى . وجاء في الخبر : مَن أُوتي نعمةً فأدَّى حقَّ اللّه منها بِرَدِّ اللَّهفة ، وإجابةِ الدّعوة ، وكشْف المظلمة ، كان جديرا بدوامها ومَنْ قَصَّر قُصِّرَ به .

242

الأصْلُ:

۰.إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدُرَةُ قَلَّتِ الشَّهْوَةُ .

الشّرْحُ:

هذا مِثلُ قولهم : كلُّ مقدورٍ عليه مملول ، ومثل قول الشاعر :
* وكلُّ كثيرٍ عدوُّ الطّبيعهْ *
ولهذا الحُكْم عِلَّة في العِلْم العقلي ، وذلك أنّ النفس عندهم غنيَّة بذاتها ، مكتفِيَة بنفسها ، غيرُ محتاجة إلى شيء خارج عنها ، وإنَما عَرضتْ لها الحاجة والفَقْر إلى ما هو خارج عنها لمقارَنَتها الهَيُولى ، وذلك ، أن أمْرَ الهيُولى بالضّدّ من أمرِ النّفس في الفَقْر والحاجة ، ولمّا كان الإنسانُ مركَّباً من النّفس والهيُولى عرض له الشوقُ إلى تحصيلِ العلوم والقنيات لانتفاعِه بهما ، والتذاذِه بحصولهما ، فأما العلوم فإنّه يحصِّلها في شبيهٍ بالخزانة له ، يَرجِع إليها متى

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112955
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي