525
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الغَنِيُّ الحَمِيد» 1 .
والثاني : لكَثْرة حاجاتهم فأغناهم لا مَحَالة أقلّهم حاجة ، ومن سدّ مَفاقِره بالمُقتَنَيات فما في انسدادِها مطمَع ، وهو كَمَن يَرقَع الخَرْق بالخَرْق ، ومن يَسُدّها بالاستغناء عنها بقَدْر وُسْعه والاقتصار على تَناوُل ضروريّاته فهو الغنيّ المقرَّب من اللّه سبحانه ، كما أشار إليه في قصّة طالوتَ : «إنّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّهُ مِنّي إلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» 2 ، قال أصحاب المعاني والباطن : هذا إشارةٌ إلى الدنيا .

226

الأصْلُ:

۰.وسُئل عليه السلام عن قـول اللّه عزّ وجلّ : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»۳ ، فَقَالَ : هِيَ الْقَنَاعَةُ .

الشّرْحُ:

لا ريبَ أنّ الحياةَ الطّيبة هي حياةُ الغِنَى ، وقد بيّنّا أن الغَنِيَّ هو القَنُوع ، لأنّه إذا كان الغِنَى عدمُ الحاجة فأغنَى النّاس أقلُّهم حاجةً إلى الناس ، ولذلك كان اللّه تعالى أغْنَى الأغنياء ، لأنّه لا حاجةَ به إلى شيء ، وعلى هذا دَلّ النبيُّ بقوله صلى الله عليه و آله وسلم : « ليس الغِنَى بكَثْرة العَرَض ، إنّما الغِنَى غِنَى النّفس» .
وقال أصحابُ هذا الشأن : القَناعة من وجهٍ صَبْر ، ومِنْ وَجْهٍ جُود ، لأنّ الجُودَ ضَرْبان : جودٌ بما في يدك منتَزعا ، وجودٌ عمّا في يدِ غيرك متورِّعا ، وذلك أشرَفهما .

1.سورة فاطر ۱۵ .

2.سورة البقرة ۲۴۹ .

3.سورة النحل ۹۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
524

من أفعال القلوب لما عُوقب .
ويمكن أن يُحمَل كلامُه عليه السلام على تَفسيرٍ آخرَ ، فيقال : إنّه عَنَى بقوله : إنّه كما كان ممّن يتّخذ آيات اللّه هُزُوا : أنّه يعتقد أنّها من عند اللّه ، ولكنّه لا يَعمَل بمُوجبها كما يَفعَله الآنَ كثيرٌ من الناس . قولُة عليه السلام : «التاط بقَلْبه» أي لَصِق . ولا يُغِبُّه ، أي لا يَأْخُذُه غِبّا ، بل يلازمه دائما ، وصَدَق عليه السلام فإنّ حُبّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة ، وحبُّ الدنيا هو المُوجِب للهَمّ والغمّ والحِرْص والأمَل والخَوْف على ما اكتَسَبه أن ينفَد ، وللشُّحّ بما حَوَتْ يَدُهُ ، وغير ذلك من الأخلاق الذميمة .

225

الأصْلُ:

۰.كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً ، وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِيماً .

الشّرْحُ:

قد تقدّم القولُ في هذين ، وهما القناعة وحُسْن الخُلُق .
وكان يقال : يستحقّ الإنسانيّة مَنْ حَسُن خلقُه ، ويكاد السيءُ الخُلُق يُعَدّ من السِّباع .
وقال بعضُ الحكماء : حدُّ القناعة هو الرّضا بما دون الكفاية ، والزّهد : الاقتصار على الزَّهيد ، أي القليل ، وهما مُتقارِبان ، وفي الأغلب إنما الزهد هو رَفْض الأُمور الدنيويّة مع القُدْرة عليها ؛ وأمّا القَناعة فهي إلزام النّفس الصبرَ عن المشتهَيَات الّتي لا يقدر عليها ، وكلّ زُهْد حَصَل لا عن قَناعةٍ فهو تزهّد ، وليس بزُهد ، وكذلك قال بعض الصُّوفيّة : القناعة أوّل الزُّهد ، تنبيها على أنّ الإنسان يحتاج أوّلاً إلى قدْع نفسه وتخصّصه بالقناعة ليَسهلُ عليه تَعاطِي الزّهد ، والقناعة الّتي هي الغنى بالحقيقة ، لأنّ الناسَ كلّهم فقراء من وجهين :
أحدهُما : لافتقارِهم إلى اللّه تعالى كما قال : «يأيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللّهِ واللّهُ هُوَ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111275
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي