523
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

224

الأصْلُ:

۰.مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً ، فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللّهِ سَاخِطاً . وَمَنْ أَصْبَحَ يَشَكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ ، فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ . وَمَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ . وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ ؛ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً ، وَمَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَـلاَثٍ : هَمٌّ لاَ يُغِبُّهُ ، وَحِرْصٌ لاَ يَتْرُكُهُ ، وَأَمَلٌ لاَ يُدْرِكُهُ .

الشّرْحُ:

إذا كان الرّزق بقضاء اللّه وقَدَره ، فمن حَزِن لفَواتِ شيء منه فقد سَخِط قضاءَ اللّه وذلك معصية ؛ لأنّ الرّضا بقضاء اللّه واجب ، وكذلك من شَكا مصيبةً حلّت به ؛ فإنّما يشكو فاعِلَها لاهي ؛ لأنّها لم تنزل به من تِلقاء نفسِها ، وفاعِلُها هو اللّه ، ومن اشتكى اللّه فقد عَصَاه ؛ والتواضُع للأغنياء تعظيما لغِناهم أو رجاءَ شيء ممّا في أيديهم فِسْق . وكان يقال : لا يُحمَد التِّيه إلاّ من فقيرٍ على غَنِيّ . فأمّا قولُة عليه السلام : «ومن قرأ القرآن فماتَ فدخل النار ، فهو ممّن كان يتّخذ آياتِ اللّه هُزُوا » .
فلِقائل أن يقول : قد يكون مؤمِنا بالقرآن ليس بمتّخِذٍ له هُزُوا ، ويقرؤه ثمّ يدخل النار ؛ لأنّهُ أتى بكَبيرة أُخرى نحوَ القتل والزّنا والفِرار من الزَّحف وأمثال ذلك!
والجواب أن معنى كلامه عليه السلام هو أنّ من قَرَأ القرآن فمات فدَخَل النار لأجلِ قراءتهِ القرآن فهم ممّن كان يتّخذ آياتِ اللّه هُزُوا ، أي يقرؤه هازِئا به ، ساخرا منه ، مستهينا بمواعظه وزواجره ، غير معتقِد أنّه من عندِ اللّه .
فإن قلت : إنما دخل مَن ذكرتَ النارَ ؛ لا لأجل قراءته القرآن ، بل لُهُزئه به ، وجحوده إيّاه ، وأنت قلت : معنى كلامه أنّه من دَخل النار لأجل قراءته القرآن فهو ممّن كان يستهزِئُ بالقرآن!
قلت : بل إنّما دخل النار ؛ لأنّه قرأه على صفة الاستهزاء والسُّخْرية ، ألا ترى أنّ الساجد للصّنَم يُعَاقَب لسجودِه له على جهة العبادة والتعظيم ، وإن كان لولا ما يحدثه مضافا للسّجود


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
522

الشّرْحُ:

من أمثال البُحْتريّ قوله :

واليأسُ إحدَى الرّاحتَيْن ولن تَرَىتَعِبا كظَنِّ الخائب المَكْدُودِ
وكان يقال : ما طمِعتْ إلاّ وذَلّت ـ يَعنُون النّفس . وفي البيت المشهور :
تُقطّع أعناقَ الرِّجال المَطامِعُ .
وقالوا : عَزَّ من قَنِع ، وذَلَّ من طَمِع . وقد تقدّم القولُ في الطّمع مراراً .

223

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام وقد سُئل عن الإِيمان:الاْءِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ ، وعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم قولُنا في هذه المسألة .
وهذا هو مذهبُ أصحابنا المعتزِلة بعَيْنه ؛ لأنّ العمل بالأركان عندنا داخلٌ في مسمَّى الإيمان ـ أعنِي فعل الواجبات ، فمن لم يَعمَل لم يسمَّ مؤمناً وإن عَرَف بقلبه وأقَرَّ بلسانه ، وهذا خلاف قول المرجئة من الأشعرية والإمامية ۱ والحشوية .

1.وهو قول الامامية دون أدنى شك ، وقد رويت هذه الكلمات عن الامام الرضا عليه السلام ، عنه صلوات اللّه عليه كما في عيون الأخبار ۱ : ۲۶۶ بعدة طرق ، وفي غيره . والمراد بالمعرفة هنا الاعتقاد الجازم المطابق للواقع سواءً كان عن علم أم عن تقليد . فما لم يكن الانسان معتقدا بالقلب لم يكن مؤمنا ولو أقرّ وعمل ، وما لم يقرّ بلسانه ، لم يكن مؤمنا ولو تيقّن بقلبه ، وما لم يقرن ذلك بالعمل المحسوس ، مما ثبت بضرورة الدين كالصلاة والصوم والجهاد والحج والزكاة ... الخ لم يكن مؤمنا ، وإن كان مقرّا بلسانه ومعتقدا بجنانه . (انظر الحكمة ۳۱) .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111282
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي