53
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

226

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلام خطبها بذي قار
وهو متوجّه إلى البصرة ذكرها الواقديّ في كتاب «الجمل»:
فَصَدَعَ بَمَا أُمِرَ بِهِ ، وَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ ، فَلَمَّ اللّهُ بِهِ الصَّدْعَ ، وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ ، وَأَلَّفَ بِهِ الشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ، بَعْدَ الْعَدَاوَةِ الْوَاغِرَةِ فِي الصُّدُورِ ، والضَّغَائِنِ الْقَادِحَةِ فِي الْقُلُوبِ .

الشّرْحُ:

ذو قار : اسم موضع قريب من البصرة ، وفيه كانت وقْعة للعرب مع الفرس قبل الإسلام . وصدَع بما أمر به ؛ أي جهر ، وأصل الصَّدْع الشقّ . لمّ به : جمع . ورتق : خاط وألحم . العداوة الواغرة : ذات الوغْرة ، وهي شدة الحرّ . الضغائن : الأحقاد . القادحة في القلوب ؛ كأنها تقدح النار فيها كما تقدح النّار بالمِقْدَحة .

227

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام كلّم به عبداللّه بن زمعة
وهو من شيعته وذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالاً ، فقال عليه السلام :
إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلمينَ ، وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ ، فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ ، كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
52

وهذه الخطبة من محاسن خطبه عليه السلام ، وفيها من صناعة البديع ما هو ظاهر للمتأمّل .

الأصْلُ:

۰.منها في صفة الزهاد:كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا ، فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا ، عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ ، وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ ، تَقَلَّبُ أَبْدَانُهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الآخِرَةِ ،
وَيَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ ، وَهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ .

الشّرْحُ:

بين ظهرانَيْ أهل الآخرة ، بفتح النون ، ولا يجوز كسرها ، ويجوز «بين ظهرَيْ أهل الآخرة» ، لو رُوي ، والمعنى في وسطهم .
قوله عليه السلام : «كانوا قوماً من أهل الدنيا وليسوا من أهلها» ، أي همْ من أهلها في ظاهر الأمر وفي مرأى العيْن وليسوا من أهلها ؛ لأنّه لا رغبة عندهم في ملاذّها ونعيمها ، فكأنّهم خارجون عنها . قوله : «عملوا فيها بما يبصرون» ، أي بما يروْنه أصلح لهم ، ويجوز أن يريد أنّهم لشدّة اجتهادهم قد أبصروا المآل ، فعملوا فيها على حسب ما يشاهدونه من دار الجزَاء ، وهذا كقوله عليه السلام : «لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً» . «وبادروا فيها ما يحذرون» ، أي سابقوه ، يعني الموت . قوله عليه السلام : «تُقلّب أبدانهم» ، هذا محمول تارة على الحقيقة ، وتارة على المجاز ، أمّا الأول فلأنّهم لا يخالطون إلاّ أهلَ الدين ولا يجالسون أهل الدنيا ، وأمّا الثاني فلأنّهم لما استحقُّوا الثواب كان الاستحقاق بمنزلة وصولهم إليه ، فأبدانُهم تتقلّب بين ظهرانيْ أهل الآخرة ، أي بين ظهرانَيْ قوم هم بمنزلة أهل الآخرة ؛ لأنّ المستحقّ للشيء نظيرٌ لمن فعل به ذلك الشيء .
ثم قال : هؤلاء الزّهّاد يرون أهل الدنيا إنما يستعظمون موت الأبدان ، وهم أشدُّ استعظاماً لموت القلوب .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111254
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي