445
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

يريد أنّه يتعيّن على العاقل سوء الظنّ حيث الزمان فاسد ، ولا ينبغي له سوء الظّن حيثُ الزمان صالح ، وقد جاء في الخبر المرفوع النهي عن أن يظنّ المسلم بالمسلم ظَنّ السوْء ، وذلك محمولٌ على المسلم الذي لم تظهر منه حَوْبة ، كما أشار إليه عليٌّ عليه السلام ؛ والحوْبة : المعصية ، والخبر هو ما رواه جابر قال : نظر رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى الكعبة فقال : «مرحبا بكِ من بيتٍ ! ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك ! واللّه إن المؤمن أعظمُ حرمةً منكِ عند اللّه عزّ وجلّ ، لأنّ اللّه حَرَّم منكِ واحدةً ، ومن المؤمن ثلاثة : دمَه وماله وأن يظن به ظنّ السوء» .
قال الشاعر :

أسأتُ إذْ أحسنتُ ظنِّي بكمْوالحزمُ سوءُ الظّنّ بالناسِ
قيل لعالِم : من أسوأُ الناس حالاً ؟ قال : من لا يثق بأحدٍ لسوء ظَنّه ، ولا يثق به أحد لسُوء فعله .

111

الأصْلُ:

۰.وقيل له عليه السلام : كيف نجدك يا أَمير المؤمنين ؟ فقال :
كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ وَيُؤْتَى مِنْ مَأمَنِهِ ۱ !

الشّرْحُ:

هذا مِثلُ قَوْلِ عَبَدَة بن الطّبيب :

أرَى بَصرِي قد رَابَنِي بَعْد صِحّةٍوحَسْبُكَ داءً أن تَصِحّ وَتَسلَمَا
ولن يَلبثَ العَصْرانِ يومٌ وليلةٌإذا طَلَبا أن يُدرِكا ما تيمّما

1.كلما طال عمره ـ وهو الحياة ـ تقدّم إلى الفناء ، وسبب السقم ( المرض ) الصحة . يؤتى من مأمنه ، أي من حيث لا يحتسب أنّه يموت في الساعة التي مات فيها .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
444

وأمّا الأدب ، فقالت الحكماء : ما وَرَّثتِ الآباءُ أبناءها كالأدب .
وأمّا التوفيق ، فمن لم يكن قائده ضَلّ .
وأمّا العمل الصالح ، فإنه أشرفُ التجارات ، فقد قال اللّه تعالى : «هَلْ أَدُلُّكُمْ على تِجَارةٍ تُنْجِيكم مِن عذاب أليمٍ»۱ ، ثم عدّ الأعمال الصالحة .
وأمّا الثواب ، فهو الربح الحقيقي ، وأمّا ربح الدنيا فشبيهٌ بحلم النائم .
وأمّا الوقوف عند الشُّبُهات ، فهو حقيقةُ الوَرَع ، ولا رَيْب أنّ من يزْهد في الحرام أفضل ممن يزهد في المباحات ، كالمآكل اللذيذة ، والملابس الناعمة ، وقد وَصَف اللّه تعالى أرباب التفكّر فقال : «ويتفكّرُونَ في خَلْقِ السَّموات وَالأَرْض»۲ . وقال : «أوَلَمْ يَنْظُروا» .
ولا ريبَ أن العبادة بأداء الفرائض فوق العبادة بالنوافل ، والحياءُ مخّ الإيمان ، وكذلك الصبر والتواضُع مَصْيدة الشرف ، وذلك هو الحسب ، وأشرف الأشياء العلم ؛ لأنّه خاصّة الإنسان ، وبه يَقَع الفَضْل بينه وبين سائر الحيوان .
والمشورة من الحَزْم فإنّ عقل غيرك تستضيفُه إلى عقلك . ومن كلام بعض الحكماء : إذا استشارَك عدوُّك في الأمر فامحَضْه النصيحة في الرأي ، فإنه إنْ عمل برأيك وانتفع نَدِم على إفراطه في مُناوأتك ، وأفْضَتْ عداوتُه إلى المودّة ، وإن خالفَك واستضرّ عرف قدر أمانتك بنُصْحه ، وبَلغْت مُناك في مَكروهه .

110

الأصْلُ:

۰.إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلاَحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ، ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ ، حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ ! وإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ ، فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ ، فَقَدْ غَرَّرَ!

1.سورة الصف ۱۰ .

2.سورة آل عمران ۱۹۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111205
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي