441
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

النُّـمرق والنّـمرُقة بالضم فيهما : وِسادةٌ صغيرةٌ ، ويجوز النَّـمرِقة بالكسر فيهما ؛ ويقال للطِّنْفسة فوقَ الرّحل نُمْرقة . والمعنى أنّ كلّ فضيلة فإنّها مجنّحة بطَرَفَين معدُودَين من الرّذائل كما أوضحناه آنِفا ، والمراد أنَّ آل محمد عليه وعليهم السلام هم الأمرُ المتوسّط بين الطّرفين المذمومين ، فكلُّ مَن جاوَزَهم فالواجب أن يَرجِع إليهم ، وكلّ من قَصّر عنهم فالواجبُ أن يَلحَق بهم .
فإن قلت : فلمَ استعار لفظَ النّـمرقة لهذا المعنى؟
قلت : لمّا كانوا يقولون : قد رَكِب فلانٌ من الأمر مُنكَراً وقد ارتَكَب الرأيَ الفلانيّ ، وكانت الطِّنفِسة فوق الرّحل ممّا يُركَب ، استعارَ لَفظَ النّـمرقة لما يراه الإنسانُ مَذهَبا يَرجِع إليه ويكون كالرّاكب له ، والجالِس عليه ، والمتورِّك فوقَه . ويجوز أيضا أن تكون لفظة «الوُسْطَى» يراد بها الفُضْلى ؛ يقال : هذه هي الطريقةُ الوُسْطى ، والخَليقةُ الوسطى ، أي الفضلى ، ومنه قولُه تعالى : «قَالَ أوْسَطُهُمْ»۱ ، أي أفضلهُم ، ومنه : «جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطا»۲ .

107

الأصْلُ:

۰.لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللّهِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ ، وَلاَ يُضَارِعُ ، وَلاَ يَتَّبِـعُ الْمَطَامِعَ .

الشّرْحُ:

المُصانَعة : بَذْل الرِّشْوة . وفي المَثَل : مَن صَانَع بالمال ، لم يَحتشِم مِن طَلَب الحاجة .
فإن قلت : كان ينبغي أن يقول : «من لا يصانَع» بالفتح .

1.سورة القلم ۲۸ .

2.سورة البقرة ۱۴۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
440

يعتَوِر القلبَ حالاتٌ مختلفاتٌ متضادّات ، فبعضُها من الحِكْمة ، وبعضُها ـ وهو المضادّ لها ـ منافٍ للحكمة ، ولم يذكُرْها عليه السلام ، وليست الأُمورُ الّتي عدّدها شرحا لِما قدّمه من هذا الكلام الُمجمَل ، وإن ظَنّ قومٌ أنه أراد ذلك ، ألا تَرَى أنّ الأُمورَ الّتي عدّدها ليس فيها شيءٌ من باب الحِكمة وخلافِها!
فإن قلت : فما مِثالُ الحِكمة وخلافها ، وإن لم يذكر عليه السلام مثاله؟
قلت : كالشجاعة في القَلْب وضِدّهها الجُبْن ، وكالجُود وضدّه البُخْل ، وكالعِفّة وضدّها الفُجُور ، ونحو ذلك .
فأمّا الأُمور الّتي عدّدها عليه السلام فكلامٌ مستأنَف ، إنّما هو بيانُ أنّ كلّ شيء ممّا يتعلّق بالقلب يَلزَمه لازِمٌ آخر نحوُ الرجاء ، فإنّ الإنسان إذا اشتدّ رجاؤه أذلّه الطمع ، والطّمع يَتْبع الرّجاء ، والفَرْق بين الطمع والرّجاء أنّ الرّجاء توقُّع منفَعَة ممّن سبيلُه أن تَصدُر تلك المَنفعَة عنه ، والطمع توقُّعُ منفَعةٍ ممّن يُستبعَد وُقوعُ تلك المنفعة منه ؛ ثم قال : وإن هاج به الطمع قَتَله الحِرْص ، وذلك لأنّ الحرْص يَتْبع الطّمع ، إذا لم يَعلَم الطامعُ أنّه طامع ، وإنّما يَظُن أنّه راج .
ثم قال : وإن مَلَكه اليأس ، قَتَله الأسَف ، أكثَرُ الناسِ إذا يَئِسوا أسِفوا .
ثم عدّد الأخلاقَ وغيرَها من الأُمور الواردة في الفَصْل إلى آخره ، ثمّ خَتَمه بأن قال : « فكلُّ تقصيرٍ به مُضِرّ ، وكلّ إفراطٍ له مفسِد» ؛ وقد سَبَق كلامُنا في العدَالة ، وإنّها الدّرجة الوسطى بينَ طرَفين هما رَذِيلتان ، والعَدالة هي الفضيلة ، كالجُود الذي يكتنِفه التّبذير والإمساك ، والذّكاء الّذي يَكتنِفه الغبَاوة . والجَرْبزة ۱ ، والشجاعة الّتي يَكتنِفها الهَوَج والجُبْن ، وشَرَحْنا ما قالَه الحُكَماء في ذلك شرحا كافيا ، فلا مَعْنَى لإعادتِه .

106

الأصْلُ:

۰.نَحْنُ النُمْرُقَةُ الْوُسْطَى ، بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي ، وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي .

1.الجربزة : الخب والخديعة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111240
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي