419
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

يُعصَ مغلوبا ، ولم يُطَع مُكرِها ، ولم يُرسِل الرسلَ إلى خلقه عَبَثا ، ولم يَخلُق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً «ذلك ظنّ الذّين كَفروا فوَيلٌ للّذين كفروا من النار»۱ فقال الشيخ : فما القَضَاء والقَدَر اللّذان ما سِرْنا إلاّ بِهِما ؟ فقال : هو الأمرُ من اللّه والحُكْم ، ثمّ تلا قولَه سبحانه : «وَقَضَى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيَّاه»۲ ، فنَهضَ الشيخُ مسرورا وهو يقول :

أنتَ الإمامُ الّذي نَرجُو بطاعتِهيومَ النشورِ من الرّحمن رِضْوانَا
أوْضحتَ مِن دِينِنا ما كان مُلتَبِساجزاكَ رَبُّك عنّا فيه إحسانا
ذَكَر ذلك أبو الحسين في بيانِ أنّ القضاء والقَدَر قد يكون بمعنى الحكْم والأمر ، وأنّه من الألفاظ المشترَكة .

77

الأصْلُ:

۰.خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ ، حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ ۳ .
قَال الرَّضيّ رحمه الله ـ وَقَدْ قَال عليٌّ عليه السلام فِي مِثْل ذِلك ـ :
الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ .

الشّرْحُ:

خَطَب الحجّاج فقال : إنّ اللّه أمَرَنا بطلب الآخرة ، وكفانَا مؤونة الدّنيا ، فليْتَنا كُفِينا مؤونةَ الآخرة ، وأُمِرنا بطلب الدنيا!

1.سورة ص ۲۷ .

2.سورة الإسراء ۲۳ .

3.تلجلج : تتحرك وتتردد . تسكن : تقرّ وتثبت . إن الحكمة كالضالة عند المنافق لا تهدأ نفسه إلاّ بإخراجها ، فإذا علم شيئاً ، أُعجب بنفسه ، ويكاد يعجز عن الإمساكِ عنه حتى يخرجه ، فإذا سمعها المؤمن ، ضمّها إلى علمه ، فتسْكن عنده فإذا احتيج إلى علمه بَثَّه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
418

76

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام للسائل الشامي لما سأله : أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه وقدر ؟ بعد كلام طويل هذا مختاره :وَيْحَكَ! لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لاَزِماً ، وَقَدَراً حَاتِماً ! وَلَوْ كَانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ والْعِقَابُ ، وَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ؛ إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً ، وَنَهَاهُمْ تَحْذِيراً ، وَكَلَّفَ يَسِيراً ، وَلَمْ يُكَلِّفْ عَسِيراً ، وَأَعْطَى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً ، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً ، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرَهاً ، وَلَمْ يُرْسِلِ الْأَنْبِيَاءَ لَعِباً ، وَلَمْ يُنْزِلِ الكُتُبِ لِلْعِبَادِ عَبَثاً ، وَلاَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ؛ «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» .

الشّرْحُ:

قد ذكر شيخُنا أبو الحسين رحمه الله هذا الخبرَ في كتاب ( الغُرَر ) ورواه عن الأصبغ بنِ نُباتة ، قال : قام شيخٌ إلى عليّ عليه السلام فقال : أخبرْنا عن مَسيرنا إلى الشام ، أكانَ بقضاء اللّه وقدَرِه ؟ فقال : والّذي فَلَق الحبّة ، وبَرَأ النّسمَة ، ما وَطِئْنا مَوْطِئا ، ولا هَبطنا واديا إلاّ بقضاء اللّه وقَدَرِه . فقال الشيخ ! فعندَ اللّه أحتَسِب عَنائي ! ما أرَى لي من الأجْر شيئا ! فقال : مَهْ أيّها الشيخ ، لقد عَظّم اللّهُ أجرَكم في مَسيرِكم وأنتم سائرون ، وفي مُنصرَفكم وأنتم منصرِفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرَهين ، ولا إليها مضطَرِّين . فقال الشيخ : وكيف القضاءُ والقَدَر ساقَانَا ؟ فقال : وَيْحَك ! لعلّك ظننتَ قَضاءً لازما ، وقَدَرا حَتْما ! لو كان ذلك كذلك لبَطَل الثواب والعِقاب ، والوَعْد والوَعِيد ، والأمرُ والنّهي ، ولم تأتِ لائمةٌ مِن اللّه لمُذنِب ، ولا مَحمَدة لُمحسِن ، ولم يكن الُمحسِن أولَى بالمدح من المسيء ، ولا المسيءُ أولَى بالذمّ من الُمحسِن ؛ تلك مقالةُ عُبّاد الأوثان ، وجنودِ الشّيطان ، وشهودِ الزور ، وأهلِ العَمَى عن الصواب ، وهم قَدَرِيّةُ هذه الأُمّة ومجوسُها ؛ إنّ اللّه سبحانه أمَر تخييرا ، ونَهَى تحذيرا ، وكَلَّف يسيرا ، ولم

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112934
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي