415
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أمير المؤمنين عليه السلام على ما يُطابق ذلك ، وهو أنه ليس يعني أن العدَدَ علّةٌ في وجوب الانقضاء ، كما يُشعِر به ظاهرُ لفظِه ، وهو الذي يسمِّيه أصحابُ أُصول الفقه إيماء ، وإنما مُراده كلّ معدود فاعلموا أنه فانٍ ومنقضٍ ، فقد حكم على كلّ معدود بالانقضاء حُكْما مجرَّدا عن العلّة ، كما لو قيل : زيد قائمٌ ، ليس يعني أنه قائم ؛ لأنّه يسمّى زيد .
فأما قوله : «وكلّ متوقع آتٍ» فيماثلُه قول العامة في أمثالها : لو انتُظرَت القيامةُ لقامت ؛ والقولُ في نفسه حق ؛ لأنّ العُقلاء لا ينتظرون ما يَستحيل وقوعه ، وإنما ينتظرون ما يمكن وقوعه ، وما لابدّ من وقوعه ، فقد صَحّ أنّ كلّ منتظَر فسيأتي .

74

الأصْلُ:

۰.إِنَّ الْأُمُورَ إِذا اشْتَبَهَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا .

الشّرْحُ:

رُوي : «إذا استبهَمَتْ» ، والمعنى واحد وهو حقّ ، وذلك أن المقدّمات تدلّ عَلَى النتائج ، والأسباب تدلّ على المسبّبات ، وطالما كان الشيئان ليسا عِلّةً ومعلولاً ، وإنما بينهما أدنى تناسبُ ، فيُستدَلّ بحالِ أحدهما على حال الآخر ، وإذا كان كذلك واشتبَهَتْ أمورٌ على العاقِل الفَطِن ولم يعلم إلى ماذا تَؤُول ، فإنه يُسْتَدَلّ على عواقبها بأوائلها وعلى خواتمها بفوَاتِحها ، كالرّعيّة ذاتِ السلطان الرَّكِيك الضعيف السياسة ، إذا ابتدأت أُمورُ مملكتِه تضطرِب ، واستَبْهَم على العاقل كيف يكون الحالُ في المستقبل ، فإنه يجب عليه أن يعتبر أواخرها بأوائلها ، ويَعلم أنه سيفضي أمرُ ذلك المُلْك إلى انتشار وانحلال في مُستقبل الوقت ؛ لأنّ الحركات الأُولى مُنذرة بذلك ، وواعدة بوقوعه ، وهذا واضح .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
414

72

الأصْلُ:

۰.نَفَسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ ۱ .

الشّرْحُ:

وجدتُ هذه الكلمةَ منسوبةً إلى عبد اللّه بن المعتزّ في فصلٍ أوّله : الناس وفْد البلاء ، وسُكّان الثَرى ، وأنفاس الحيّ خُطاه إلى أجله ... ، فلا أدري هل هي لابن المعتز ، أم أخَذَها من أمير المؤمنين عليه السلام ! والظاهر أنها لأمير المؤمنين عليه السلام ، فإنها بكلامه أشبه ، ولأنّ الرضيّ قد رواها عنه ، وخبرُ العَدْل معمولٌ به .

73

الأصْلُ:

۰.كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَض ، وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ ۲ .

الشّرْحُ:

الكلمة الأُولى تؤكِّد مذهب جمهور المتكلّمين في أنّ العالم كلّه لابدّ أن ينقضيَ ويَفْنَى ، ولكنّ المتكلمين الذاهبين إلى هذا القَوْل لا يقولون : يجب أن يكون فانيا ومنقضيا لأنّه معدود ، فإن ذلك لا يلزم ؛ ومن الجائز أن يكون معدودا ولا يجب فناؤه ، ولهذا قال أصحابنا : إنما علمنا أن العالم يفنى عن طريق السمع لا مِن طريق العقل ، فيجب أن يُحْمَل كلامُ

1.أي أنّ كلّ نفسٍ يتنفّسه الإنسان خطوة يقطعها إلى الأجل ويقرّبه إلى الموت .

2.لعل الفقرة الأُولى إشارة إلى أنفاس الخلائق وحركاتهم أو أعمار العباد . والثانية ، توقع الشيء : ترقبه ، والمراد بالمتوقع ، مالا مفر من وقوعه ، والمراد ، التحذير عما يتوقع حدوثه كالموت وتوابعه .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111199
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي