395
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

والألم يَحُطّ اللّه تعالى عن الإنسان المبتلَى به ما يستحقّه من العقاب على معاصيه السالِفةِ تفضُّلاً منه سبحانه ، فلما كان إسقاط العقاب متعقّبا للمرض ، وواقعا بعده بلا فَصْل ، جاز أن يُطلق اللفظ بأنّ المرض يَحُطّ السيئات ويحتّها حَتّ الوَرَق ، كما جاز أن يُطْلق اللفظ بأنّ الجماع يُحبل المرأة ، وبأن سَقْيَ البَذْر الماء ينبِته ، إن كان الولد والزرع عند المتكلمين وقعا من اللّه تعالى على سبيل الاختيار ، لا على الإيجاب ؛ ولكنه أجرى العادة ؛ وأن يفعل ذلك عقيبَ الجماع وعقيب سَقي البَذْر الماء .
فأما قولُه عليه السلام : «وإنما الأجرُ في القَوْل ...» إلى آخر الفَصْل ، فإنه عليه السلام قَسَم أسباب الثواب أقساما ؛ فقال : لمّا كان المَرَض لا يقتضي الثواب لأنّه ليس فعل المكلّف ـ وإنما يستحق المكلف الثواب على ما كان من فِعله ـ وَجَب أن يبيّن ما الذي يستحق به المكلّف الثواب ، والذي يستحق المكلف به ذلك ، أن يفعل فعلاً إمّا مِنْ أفعال الجوارح ، وإمّا من أفعال القلوب : فأفعال الجوارح إمّا قولٌ باللسان أو عملٌ ببعض الجوارح ؛ وعبّر عن سائر الجوارح عدا اللسان بالأيدي والأقدام ؛ لأنّ أكثر ما يُفعل بها ، وإن كان قد يُفْعل بغيرها ، نحو مجامِعَة الرجل زوجته إذا قُصِد به تحصينها وتحصينه عن الزّنا ، ونحو أن يُنحِّيَ حَجرا ثقيلاً برأسه عند صَدْر إنسانٍ قد يَقتُله ، وغير ذلك ، وأمّا أفعال القلوب فهي العزوم والإرادات والنظر والعلوم والظنون والندم ، فعبّر عليه السلام عن جميع ذلك بقوله : «بصدق النية والسريرة الصالحة » ، واكتفى بذلك عن تعديد هذه الأجناس .
فإن قلت : فإنّ الإنسان قد يستحق الثواب على ألاّ يفعل القبيح ، وهذا يخرم الحصر الذي حصره أمير المؤمنين.
قلت : يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي عليّ في أن القادر بقدرةٍ لا يخلو عن الأخذ والتَّرْك .

42

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام في ذكر خباب:يَرْحَمُ اللّهُ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ ! فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً ، وَهَاجَرَ طَائِعاً ، وَقَنِعَ بالْكَفَافِ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
394

كاملاً فلا حَدّ له .
وقيل : الأحمق يتحفظ من كل شيء إلاّ من نفسه .

41

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام لبعض أَصحابه في علة اعتلها:جَعَلَ اللّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حطّاً لِسَيِّئَاتِكَ ، فَإِنَّ الْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ ، وَلكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ ، وَيَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوْرَاقِ ، وَإِنَّمَا الاْجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ ، وَالْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ ، وَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبَادِهِ الْجَنَّةَ .

قال الرضي رحمه الله :
وأقول : صدق عليه السلام ، إن المرض لا أجر فيه ؛ لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ؛ لأنّ العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللّه تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجري مجرى ذلك . والأجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابل فعل العبد ، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب .

الشّرْحُ:

ينبغي أن يُحْمل كلامُ أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل على تأويلٍ يُطابق ما تدلّ عليه العقول وألاّ يُحْمل على ظاهرِه ، وذلك لأنّ المرض إذا استحقّ عليه الإنسان العوض لم يَجُز أن يقال : إنّ العِوَض يَحُطّ السيّئات بنفسه ، لا على قول أصحابنا ، ولا على قول الإماميّة ، وإذا ثبت ذلك وَجَب أن يُحمل كلامُ أمير المؤمنين عليه السلام على تأويل صحيح ، وهو الذي أراده عليه السلام ، لأنّه كان أعرفَ الناس بهذه المعاني ، ومنه تَعلّم المتكلِّمون علم الكلام ، وهو أن المرض

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111289
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي