31
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بَعْدَ الْعَشْوَةِ ، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ ، وَمَا بَرِحَ للّهِ ـ عَزَّتْ آلاَؤهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ ، وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ ـ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللّهِ ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ ، بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ . مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ ، وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ ، وَكَانَوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ .
وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً ، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ ، وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللّهِ ، فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهُوْنَ عَنْهُ ، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الآخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا ، فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذلِكَ ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طَولِ الاْءِقَامَةِ فِيهِ ، وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا ، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ ، وَيَسمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ .
فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ الَْمحْمُودَةِ ، وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ ـ وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ ، وَفَرَغُوا لُِمحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا ، أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا ، وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ ظُهُورَهُمْ ، فَضَعُفُوا عَنِ الاِْسْتِقْـلاَلِ بَهَا ، فَنَشَجُوا نَشِيجاً ، وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً ، يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَاعْتِرَافٍ ـ لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هَدىً ، وَمَصَابِيحَ دُجىً ، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ ،
وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَأُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ ، فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ ، وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ . يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ . رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ ، وَأُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ ، جَرَحَ طُولُ الْأَسَى قُلُوبَهُمْ ، وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ . لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللّه مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ ، وَلاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
30

217

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله عند تلاوته:«يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَتُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ»۱ :
إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاَءً لِلْقُلُوبِ ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ ، وَتُبْصِرُ بِهِ

1.سورة النور ۳۶ ، ۳۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111268
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي