279
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

هذا كما قيل في المثل : صاحب الدّنيا كشارب ماء البحر ؛ كلّما ازداد شربا ازداد عطشاً .
وقد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب وقال :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتبه إلى عمرو بن العاص ، وزاد فيه زيادةً لم يذكرها الرضيّ : « أمّا بعد ؛ فإنّ الدنيا مشغلة عن الآخرة ، وصاحبها منهوم عليها ، لم يصب شيئا منها قطّ إلاّ فتَحت عليه حرصا ، وأدخلت عليه مؤنة تزيده رغبةً فيها ؛ ولن يستغنى صاحبُها بما نال عمّا لم يدرك ، ومن وراء ذلك فراق ما جَمَع ؛ والسعيد مَنْ وُعِظ بغيره ، فلا تُحْبِط أجرك أبا عبد اللّه ولا تشرك معاوية في باطله ؛ فإن معاوية غمصَ الناس ، وسفّه الحق . والسلام » .
قال نصر : وهذا أوّل كتاب كتبه عليّ عليه السلام إلى عمرو بن العاص ، فكتب إليه عمرو جوابه :
أمّا بعد ، فإنّ الذي فيه صلاحنا ، وألفة ذات بيننا ، أن تُنِيب إلى الحقّ ، وأن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى ؛ فصبَر الرجل منّا نفسَه على الحقّ ، وعذَرهُ النّاس بالمحاجزة . والسلام .
قال نصر : فكتب عليٌّ عليه السلام إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا . وهو الذي ضرب مَثَله فيه بالكلْبِ يتبع الرجل ، وهو مذكور في «نهج البلاغة» ۱ . واللَّهَج : الحرص .
ومعنى قوله عليه السلام : «لو اعتبرت بما مضى حفِظْت ما بقِي» ، أي لو اعتبرتَ بما مضَى من عمرك لحفظت باقيَه أن تنفقه في الضّلال وطلب الدنيا وتضيّعه .

50

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إِلى أمرائه على الجيوشمِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رفعة إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ .

1.الكتاب رقم (۳۹) .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
278

الشّرْحُ:

يوتغان : يهلكان ؛ والوتَغ بالتحريك : الهلاك ؛ وقد وتغ يَوْتَغ وتَغاً ، أي أثِم وهلك ، وأوتغه اللّه أهلكه اللّه ، وأوتغ فلان دينه بالإثم .
قوله : «فتألّوْا على اللّه » أي حلفوا من الأليّة وهي اليمين ، وفي الحديث : «من تألّى على اللّه أكذبه اللّه » ، ومعناه : مَنْ أقسم تجبّرا واقتدارا : لأفعلنّ كذا ، أكذبه اللّه ، ولم يبلغ أمله .
وقد روي «تأوّلوا على اللّه » ، أي حَرَّفُوا الكلم عن مواضعه ، وتعلّقوا بشبهة في تأويل القرآن انتصارا لمذاهبهم وآرائهم ، فأكذبهم اللّه بأن أظهر للعقلاء فسادَ تأويلاتهم والأوّل أصحّ . ويغتبط فيه : يفْرح ويُسّر ، والغِبطة : السرور ، روي : «يغبط فيه» ، أي يتمنّى مثلُ حاله هذه .
قوله : «ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه» الياء التي هي حرف المضارعة عائدة على المكلف الذي أمكن الشيطان من قياده . يقول : إذا لم يجاذب الشيطان من قياده فإنه يندم ؛ فأما مَنْ جاذَبَه قيادَه فقد قام بما عليه .
ومثله قوله : «ولسنا إياك أجَبْنا» قوله : «واللّه ما حكّمت مخلوقا وإنما حكّمت القرآن» ومعنى «مخلوقا» : بشرا لا محدِثا .

49

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إِلى معاوية أيضاًأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا ، وَلَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا ، وَلَهَجاً بِهَا ، وَلَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا ، وَمِنْ وَرَاءِ ذلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ ، وَنَقْضُ مَا أَبْرَمَ ! وَلَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى ، حَفِظْتَ مَا بَقِيَ ، وَالسَّلاَمُ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112958
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي