577
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

172

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لمّا عزم على لقاء القوم بصفيناللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ، وَالْجَوِّ الْمَكْفُوفِ ، الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمَجْرىً لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَمُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ ؛ وَجَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ ، لاَ يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ . وَرَبَّ هذِهِ الْأَرْضِ الَّتي جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلأنامِ ، وَمَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَالأنعَامِ ، وَمَا لاَ يُحْصَى مِمَّا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى . وَرَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتي جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً ، وَلِلْخَلْقِ اعْتِمَـاداً ، إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا ، فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ ؛ وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشهَادَةَ ، وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ .
أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ ، وَالْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الحِفَاظِ ! العَارُ وَرَاءَكُمْ وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ!

الشّرْحُ :

السقف المرفوع : السماء . والجوّ المكفوف : السماء أيضاً ؛ كَفّه ، أي جمعه وضمّ بعضه إلى بعض ، ويمرّ في كلامه نحو هذا ، وأنّ السماء هواء جامد أو ماء جامد .
وجعلتَه مغيضا لليل والنهار ، أي غَيْضة لهمَا ؛ وهي في الأصل الأجَمة يجتمع إليها الماء ، فتسمّى غَيْضة ومغيضاً ؛ وينبت فيها الشجر ، كأنّه جعل الفلك كالغَيضة ، والليل والنهار كالشجر النابت فيها . ووجه المشاركة أنّ المغِيض أو الغيْضة يتولّد منهما الشجر ؛ وكذلك اللّيل والنهار يتولّدان من جَرَيان الفلك . ثم عاد فقال : « ومجرىً للشمس والقمر » ، أي موضعا لجريانهما . ومختَلفا للنجوم السيّارة ، أي موضعا لاختلافها ، واللام مفتوحة . ثم قال : « جعلت سكانه سِبْطاً من ملائتك » أي قبيلة . لا يسأمون : لا يملّون . وقراراً للأنام ، أي


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
576

171

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام كلّم به بعض العرب
وقد أرسله قومٌ من أهل البصرة لما قرب عليه السلام منها ، ليعلَمَ لهم منه حقيقة حالِهِ مع أصحاب الجملِ لتزُولَ الشبهة من نفوسهم ؛ فبيّن له عليه السلام من أمره معهم ما علم به أنّه عَلَى الحقّ ، ثمّ قال له : بايع ، فقالَ : إني رسول قوم ، ولا أحدِث حدثاً حتى أرجع إليهم . فقال عليه السلام :
أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ ، فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَـلاَءِ وَالْمَاءِ ، فَخَالَفُوا إِلى الْمَعَاطِشِ وَالْمَجادِبِ ، مَا كُنْتَ صَانِعاً؟
قال : كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ إِلى الْكَـلاَءِ وَالْمَاءِ .
فَقَالَ عليه السلام : فَامْدُدْ إذاً يَدَكَ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : فَوَاللّهِ مَااسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ ، فَبَايَعْتُهُ عليه السلام .
وَالرّجلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبِ الجَرْمِيّ .

الشّرْحُ :

الجرميّ : منسوب إلى بني جَرْم بن رَبّان ، من حِمْير . وكان هذا الرجل بعثه قومٌ من أهل البصرة إليه عليه السلام ، يستعلم حاله : أهو على حجّة أم على شبهة ؟ فلما رآه عليه السلام ، وسمع لفظه ، علم صدقه وبرهانه ؛ فكان بينهما ما قد شرحه عليه السلام . ولا شيء ألطفُ ولا أوقعُ ولا أوضحُ من المثال الذي ضربه عليه السلام ، وهو حجّة لازمة لا مدفع لها . قوله : « ولا أحدِث حدثاً » ، أي لا أفعل ما لم يأمروني به ، إنما أُمرت باستعلام حالك فقط ؛ فأمّا المبايعة لك فإن أحدثتها كنت فاعلاً ما لم أُندَب له .
ومساقط الغيث : المواضع التي يسقط الغيث فيها . والكلأ : النبت إذا طال وأمكن أن يُرْعَى وأول ما يظهر يسمى الرُّطَب ، فإذا طال قليلاً فهو الخَلا ، فإذا طال شيئاً آخر فهو الكلأ ، فإذا يبس فهو الحشيش . والمعاطش والمجادب : مواضع العطش والجدْب ، وهو المحْل .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86560
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي