529
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فِتْنَةٌ » 1 . قوله : « ويمنُّون بدينهم على ربّهم » ، من قوله تعالى : « يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلاَمَكُمْ بَلِ اللّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ » 2 . قوله : « ويتمنّوْن رحمته » من قوله : « أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على اللّه » . قوله : « وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتهُ » من قوله تعالى : « أَفأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إلاّ الْقَوْمُ الخَاسِرُونَ » 3 . والأهواء الساهية : الغافلة . والسُّحْت : الحرام ، ويجوز ضم الحاء ، وقد أسحت الرجل في تجارته ، إذا اكْتَسَبَ السُّحْت .
وفي قوله : « بل بمنزلة فتنة » تصديق لمذهبنا في أهل البغي ، وأنهم لم يدخلوا في الكفر بالكليّة ، بل هم فسّاق ، والفاسق عندنا في منزلة بين المنزلتين ، خرج من الإيمان ، ولم يدخل في الكفر .

158

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ ، وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ ، وَدَلِيلاً عَلَى آلاَئِهِ وَعَظَمَتِهِ .
عِبَادَ اللّهِ ، إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ ؛ لاَ يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ ، وَلاَيَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ . آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ .مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلاَمُهُ . فَكَأ نّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ ؛ فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِيالظُّلُماتِ ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ ، فِي طُغْيَانِهِ ، وَزَيَّنَتْ لَهُ

1.سورة الأنفال ۲۸ .

2.سورة الحجرات ۱۷ .

3.سورة الأعراف ۹۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
528

وَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهمْ ، وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِم عَلَى رَبِّهِمْ ، وَيَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ ، وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ ، وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ ، وَالْأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ .
فقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ ؟ أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّةِ ، أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةِ ؟ فَقَالَ : بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة .

الشّرْحُ :

قد كان عليه السلام يتكلم في الفتنة ؛ ولذلك ذكر الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ولذلك قال : « فعليكم بكتاب اللّه » ، أي إذا وقع الأمر واختلط الناس ، فعليكم بكتاب اللّه ؛ فلذلك قام إليه مَنْ سأله عن الفتنة . وهذا الخبر مرويّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، قد رواه كثير من المحدّثين عن عليّ عليه السلام ، أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال له : « إنّ اللّه قد كتب عليك جهاد المفتونين ، كما كتب عليّ جهاد المشركين » ، قال : فقلت : يا رسول اللّه ، ما هذه الفتنة التي كتب عليّ فيها الجهاد ؟ قال : قوم يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه وَأَنِّي رسول اللّه ، وهم مخالفون للسنّة . فقلت : يا رسول اللّه ، فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد ؟ قال : على الإحداث في الدّين ، ومخالفة الأمر ؛ فقلت : يا رسول اللّه ، إنك كنت وعدتَني الشهادة ، فاسأل اللّه أن يعجّلها لي بين يديك ، قال : فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ... الحديث .
واعلم أنّ لفظه عليه السلام المرويّ في « نهج البلاغة » يدلّ عَلَى أنّ الآية المذكورة وهي قوله عليه السلام : « الم أَحَسِبَ النَّاسُ » أنزِلت بعد أُحُد ؛ وهذا خلاف قول أرباب التفسير .
فإن قلت : فلِمَ قال : « علمت أنّ الفِتْنَةَ لاَ تَنْزلُ بِنَا وَرَسُولُ اللّه بين أظهرنا »؟
قلت : لقوله تعالى : « وَمَا كَان اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » 1 .
وقوله : « حيزتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ » ، أي مُنعت . قوله : « ليس هَذَا من مواطن الصبر » كلامٌ عالٍ جدا يدلّ على يقين عظيم ، وعرْفَانٍ تام ، ونحوه قوله ـ وقد ضربه ابن ملجم ـ : فزتُ وربّ الكعبة . قوله : « سيُفتنون بعدِي بأموالهم » من قوله تعالى : « إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ

1.سورة الأنفال ۳۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86618
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي