423
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

واعلم أ نّه عليه السلام أقسم أنّ القتل أهونُ من الموت حَتْف الأنف ، وذلك على مقتضى ما منحه اللّه تعالى به من الشجاعة الخارقة لعادة البشر ؛ وهو عليه السلام يحاول أن يحضّ أصحابه ، ويحرّضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه ، وإقدامَهم على الحرب مماثلاً لإقدامه ، على عادة الأُمراء في تحريض جندهم وعسكرهم ، وهيهات ! إنما هو كما قال أبو الطيب :

يكلّف سيفُ الدولة الجيشَ هَمَّهوَقَدْ عَجَزَتْ عَنْه الجيوشُ الخَضَارِمُ
وَيَطْلُبُ عِنْدَ النَّاسِ مَا عِنْد نفسِهوذلك ما لا تدَّعيه الضراغِمُ
ليست النفوس كلّها من جوهر واحدٍ، ولا الطباع والأمزجة كلّها من نوع واحدٍ ، وهذه خاصيّة توجد لمن يصطفيه اللّه تعالى من عباده ، في الأوقات المتطاولة ، والدهور المتباعدة ، وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان ، أنّ أحدا أُعطي من الشجاعة والإقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع فرق العالم على اختلافها ؛ من الترك والفرس والعرب والروم وغيرهم . والمعلوم من حاله أنه كان يؤثر الحرْب على السلم ، والموت على الحياة ، والموت الذي كان يطلبه ويؤثره ؛ إنما هو القتل بالسيف ، لا الموت على الفراش .

123

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلاموَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ : لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً ، وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً . قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ ، فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ ، وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ .

الشّرْحُ :

الكشيش : الصوت يشوبه خَوَر ، مثل الخشخشة ، وكَشِيش الأفعى : صوتها من جلدها لا من فمها ، وقد كشَّت تكِشّ ، قال الراجز :

كَشِيش أفْعَى أجمعت لعضِّوهي تحكُّ بعضَها ببعضِ۱

1.لسان العرب ۸ : ۲۳۳ ، من غير نسبة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
422

وأبقيْت عليهم ؛ لأني طمعت في أمرٍ يُلمّ اللّه به شَعَث المسلمين ، ويتقاربون بطريقه إلى البقية ، وهي الإبقاء والكفّ .

122

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله لأصحابه في ساعة الحربوَأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رِبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ ، وَرَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ ، فَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ . إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ ، وَلاَ يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ .
إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ ! وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ ، لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاش فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ!

الشّرْحُ :

أحسّ : علم ووجد . ورِباطة جأش ، أي شدة قَلْب . والماضي « رَبَط » ، كأنه يربط نفسه عن الفرار . والمرويّ : « رِباطة » بالكسر ، ولا أعرفه نقلاً وإنما القياس لا يأباه ، مثل عَمِر عِمارة ، وخَلَب خِلابة . والفشل : الجبن . وذبّ الرجل عن صاحبه ، أي أكثر الذبّ ، وهو الدفع والمنع . والنَّجْدة : الشجاعة . والحثيث : السريع ، وفي بعض الروايات : « فليذبّ عن صاحبه » بالإدغام ، وفي بعضها « فليذبُبْ » بفك الإدغام . والميتة ، بالكسر : هيئة الميت كالجِلْسة والرِّكْبة هيئة الجالس والراكب ، يقال : مات فلان مِيتة حسنةً ، والمرويّ في « نهج البلاغة » بالكسر في أكثر الروايات ، وقد روى : « من موتة » وهو الأليق ، يعني المرّة الواحدة ؛ ليقع في مقابلة الألف .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86621
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي