345
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ .

الشّرْحُ :

يقول : الباري تعالى موجود قبل كلّ شيء ، يشير العقل إليه ويفرضه أول الموجودات ، وكذلك هو موجود بعد كلّ شيء ، يشير العقل إليه ويفرضه آخر ما يبقى من جميع الموجودات ؛ فإن البارئ سبحانه بالاعتبار الأول يكون أولاً قبل كلّ ما يفرض أولاً ، وبالاعتبار الثاني يكون آخراً بعد كل ما يفرض آخراً . فأمّا قوله : « بأوليّته وجب أن لا أوّل له ... » إلى آخر الكلام ، فيمكن أن يفسّر على وجهين :
أحدُهما : أ نّه تعالى لما فرضناه أولاً مطلقاً ، تبع هذا الفرض أن يكون قديما أزليّا ، وهو المعنيّ بقوله : « وجب أن لا أوّل » وإنما تبعه ذلك ، لأ نّه لو لم يكن أزلياً لكان محدَثاً فكان له محدِث ، والمحدِث متقدّم على المحدَث ؛ لكنا فرضناه أولاً مطلقاً ، أي لا يتقدّم عليه شيء ، فيلزم المحال والخلف . وهكذا القول في آخريّته ، لأنا إذا فرضناه آخراً مطلقاً ؛ تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم ، وهو المعنيّ بقوله : « وجب أن لا آخر له » .
والتفسير الثاني : ألاّ تكون الضمائر الأربعة راجعة إلى الباري سبحانه ، بل يكون منها ضميران راجعين إلى غيره ، ويكون تقدير الكلام بأوليّة الأول الذي فرضنا كون البارئ سابقا عليه ، علمنا أن البارئ لا أول له ، وبآخرية الآخر الذي فرضنا أنّ البارئ متأخر عنه ، علمنا أنّ البارئ لا آخر له ، وإنّما علمنا ذلك لأ نّه لو كان سبحانه أولاً لأول الموجودات وله مع ذلك أول لزم التسلسل ، وإثبات محدِثين ومحدَثين إلى غير نهاية ، وهذا محال .
ولو كان سبحانه آخراً لآخر الموجودات وله مع ذلك آخر لزم التسلسل ، وإثبات أضداد تعدم ويعدمها غيرها إلى غير نهاية ، وهذا أيضا محال .

الأصْلُ :

۰.وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاْءِعْلاَنَ ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي ، وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي . فَوَالِّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّ الَّذِي أُنَبِّـئُكُمْ بِهِ عَنِ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
344

أهل البيت : ، وهذا إشارة إلى المهديّ الذي يظهر في آخر الوقت .
قوله عليه السلام : « فلا تطمعوا في غيرِ مقبل ، ولا تيأسوا من مدبر » ، ظاهر هذا الكلام متناقض ، وتأويله أ نّه نهاهم عن أن يطمعوا في صلاح أُمورهم على يد رئيس غير مستأنف الرياسة ؛ وهو معنى مقبل أي قادم ، تقول : سوف أفعل كذا في الشهر المقبل ، وفي السنة المقبلة ، أي القادمة ، يقول : كلّ الرئاسات التي تشاهدونها فلا تطمعوا في صلاح أُموركم بشيء منها ، وإنّما تنصلح أُموركم علي يد رئيس يقدم عليكم ، مستأنف الرئاسة خامل الذكر ؛ ليس أبوه بخليفة ، ولا كان هو ولا أبوه مشهورين بينكم برئاسة ، بل يتبع ويعلو أمرُه ، ولم يكن قبل معروفا هو ولا أهله الأدنوْن ، وهذه صفة المهديّ الموعود به .
ومعنى قوله : « ولا تيأسوا من مدبر » ، أي وإذا مات هذا المهديّ وخلفه بنوه بعده ، فاضطرب أمر أحدهم فلا تيأسوا وتشككوا ، وتقولوا : لعلنا أخطأنا في اتباع هؤلاء ؛ فإنّ المضطرب الأمر منّا ستثبتُ دعائمه ، وتنتظمُ أُموره ، وإذا زلّت إحدى رجليه ثبتت الأُخرى فثبتت الأُولى أيضا . ويروى : « فلا تطعنوا في عين مقبل » ، أي لا تحارِبُوا أحدا منا ولا تيأسوا من إقبال مَنْ يدبر أمره منا .
ثم ذكر عليه السلام أنّهم كنجوم السماء ، كلّما خوى نجم طلع نجم . خوى : مال للمغيب . ثم وعدهم بقرب الفرج ، فقال : إنّ تكامل صنائع اللّه عندكم ، ورؤية ما تأملونه أمر قد قَرُب وقته ، وكأنكم به وقد حضر وكان ، وهذا على نمط المواعيد الإلهية بقيام الساعة ؛ فإنّ الكتب المنزلة كلّها صرحت بقربها ، وإن كانت بعيدة عندنا ؛ لأنّ البعيد في معلوم اللّه قريب ، وقد قال سبحانه : « إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا * وَنَرَاهُ قَرِيبا »۱ .

100

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوِّلٍ ، وَالآخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ ، وَبِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ أَوَّلَ لَهُ ،

1.سورة المعارج ۶ ـ ۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86564
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي