283
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وكذلك اختلفت الرواية في قوله : « وما أسماعُكم اليومَ بدون أسماعكم بالأمس » ، فروي هكذا ، وروي « بدون أسماعهم » ، فمن رواه بهاء الغيبة في الموضعين فالكلام منتظم ، لا يحتاج إلى تأويل ، ومن رواه بكاف الخطاب ، قال : إنه خاطب به من صحب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلموشاهده وسمع خطابه ؛ لأنّ أصحاب عليّ عليه السلام كانوا فريقين : صحابة وتابعين ، ويعضّد الرواية الأُولى سياق الكلام . وقوله : « ولا شُقّت لهم الأبصار ... إلاّ وقد أعطيتم مثلها » . وأصفيتم به : منحتُموه ، من الصفيّ وهو ما يصطفيه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة ، يقال : صفيّ وصفيّة .
وخلاصة هذا الكلام أن جميع ما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قاله لأصحابه قد قلتُ مثله لكم ، فأطاع أُولئك وعصيتم أنتم ، وحالكم مساوية لحالهم .
ثم نعود إلى التفسير ، قال : « ولقد نزلت بكم البليّة » ، أي المحنَة العظيمة ، يعني فتنة معاوية وبني أُميّة . وقال : « جائلاً خِطامها » ؛ لأنّ الناقة إذا اضطرب زمامها استصعبتْ على راكبها ، ويسمى الزمام خِطاماً لكونه في مقدّم الأنف ، والخطم من كلّ دابة : مقدّم أنفها وفمها ، وإنما جعلها رخواً بطانها ، لتكون أصعب على راكبها ؛ لأ نّه إذا استرخى البطان كان الراكب في معرض السقوط عنها ، وبطان القَتَب هو الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير .
ثم نهاهم عن الاغترار بالدنيا ومتاعها ، وقال : إنها ظلٌّ ممدود إلى أجل ممدود ، وإنما جعلها كالظلّ لأ نّه ساكن في رأي العين ، وهو متحرك في الحقيقة ، لا يزال يتقلَّص ، كما قال تعالى : « ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إلَيْنَا قَبْضا يَسِيرا »۱ وهو أشبه شيء بأحوال الدنيا .

89

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً

1.سورة الفرقان ۴۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
282

فهي الهيئة كالجِلْسة من الجلوس .
قوله : « واعتزام من الفتن » ، كأنه جعل الفِتَن معتزِمة ، أي مريدة مصمّمة للشّغب والهرْج . ويروى : « واعتراض » ، ويروى : « واعترام » بالراء المهملة من العُرام ، وهي الشِرّة . والتلظّي : التلهّب . وكاسفة النور : قد ذهب ضوؤها ، كما تكسف الشمس . ثم وصفها بالتغير وذبول الحال ، فجعلها كالشجرة التي اصفرَّ ورَقها ويبِس ثمرها . وأعور ماؤها ، والإعوار : ذهاب الماء ، فلاة عَوْراء : لا ماء بها . ومَنْ رواه : « وإغوارٍ من مائها ، بالغين المعجمة ، جعله من غار الماء ، أي ذهب ، ومنه قوله تعالى : « أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرا »۱ . ومتهجّمة لأهلها : كالحة في وجوههم .
ثم قال : « ثمرها الفتنة » أي نتيجتها وما يتولّد عنها . « وطعامها الجيفة » ، يعني أكل الجاهلية الميتة ، أو يكون على وجه الاستعارة ، أي أكلها خبيث . ويروى « الخِيفة » أي الخوف ، ثم جعل الخوف والسيف شعارها ودثارها ، فالشعار ما يلِي الجسد ، والدِّثار فوق الشعار ، وهذا من بديع الكلام ومن جيِّد الصناعة ؛ لأ نّه لما كان الخوفُ يتقدَّم السيف والسيف يتلُوه ، جعلَ الخوف شِعارا ؛ لأ نّه الأقربُ إلى الجسد ، وجعل الدّثار تاليا له .
ثم قال : « واذكروا تيك » كلمة إشارة إلى المؤنثة الغائبة ، فيمكن أن يعني بها الدنيا التي تقدّم ذكرها ، وقد جعل آباءهم وإخوانهم مرتهنَين بها ومحاسبين عليها ، والارتهان : الاحتباس ، ويمكن أن يعني بها الأمانة التي عرضت على الإنسان فحملها ، والمراد بالأمانة الطاعة والعبادة وفعل الواجب وتجنّب القبيح . وقال : « تيك » ولم يجر ذكرها ، كما قال تعالى : « الم * ذَلِكَ الكِتَابُ »۲ ولم يجرِ ذكره ؛ لأنّ الإشارة إلى مثل هذا أعظم وأهيب وأشدّ روعة في صدر المخاطَب من التصريح . قوله : « ولا خلت فيما بينكم وبينهم الأحقاب » ، أي لم يطل العهد ؛ والأحقاب : المدد المتطاولة ، والقرون : الأُمم من الناس . وقوله : « من يوم كنتم » ؛ يروى بفتح الميم من « يوم » على أنه مبنيّ ؛ إذ هو مضاف إليه الفعل المبني ؛ ويروى بجرّها بالإضافة ؛ على اختلاف القولين في علم العربية .
ثم اختلفت الرواية في قوله : « واللّه ما أسمعكم » فروي بالكاف وروي « أسمعهم » ،

1.سورة الملك ۳۰ .

2.سورة البقرة ۱ ، ۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86587
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي