227
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذكر السَّبّة إهانة له وغلظة عليه ، والعرب تسلُك مثل ذلك في خُطبها وكلامها .
الوجه الثّاني : أن يريدَ بالكلام حقيقةً لا مجازا ؛ وذلك لأنّ الغادرَ من العرب كان إذا عَزَم على الغَدْر بعد عَهْدٍ قد عاهده أو عَقْدٍ قد عقده ، حَبَق استهزاء بما كان قد أظهره من اليمين والعهد ؛ وسُخرية وتهكّماً . والإمْرة : الولاية ، بكسر الهمزة . وقوله : « كَلَعْقَةِ الكلب أنفَه » ، يريد قِصَر المدَّة ، وكذلك كانت مدّة خلافة مَرْوان ، فإنّه ولِيَ تسعة أشهر . والأكبُش : الأربعة بنو عبد الملك : الوليد ، وسليمان ، ويزيد ، وهشام ؛ ولم يَلِ الخلافَةَ من بني أميّة ولا من غيرهم أربعة إخوة إلاّ هؤلاء . وكلّ الناس فَسَّرُوا الأكبُشَ الأربعة بمَنْ ذكرناه ؛ وعندِي أ نّه يجوز أن يعني به بني مَرْوان لصُلبه ؛ وهم : عبد الملك ، وعبد العزيز ، وبِشْر ، ومحمد ؛ وكانوا كِباشا أبطالاً أنجادا ، أمّا عبد الملك فَوَلِيَ الخلافة ، وأمّا بِشْر فَوَلِيَ العراق ، وأمّا محمد فَوَلِيَ الجزيرة ، وأمّا عبد العزيز فَوَلِيَ مصر ، ولكلّ منهم آثار مشهورة . وهذا التفسير أوْلى ؛ لأنّ الوليد وإخوته أبناء ابنه ، وهؤلاء بنوه لصُلْبه . ويقال لليوم الشديد : يوم أحمر ، وللسَّنَة ذاتِ الجَدْب : سَنة حَمْراء .
وكلّ ما أخبره أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الكلام وَقَع كما أخبر به ؛ وكذلك قوله : « يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صُدغاه » ، فإنه ولِيَ الخلافة وهو ابن خمسة وستين في أعدل الروايات .

73

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لمّا عزموا على بيعة عثمانلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي ؛ وَوَاللّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً ، الْتِمَاسا لِأَجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ ، وَزُهْدا فِيمَا


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
226

72

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرةقالوا : أُخِذَ مَرْوان بن الحكم أَسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين عليهماالسلامإِلى أَمير المؤمنين عليه السلام ؛ فكلَّماه فيه ، فَخَلَّى سبيله ، فقالا له : يبايعك يا أَمير المؤمنين ؟ فقا عليه السلام :
أَوَلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ؟ لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ ! إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ ، لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسُبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ ، وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ ، وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْما أَحْمَرَ!

الشّرْحُ :

قد رُوِي هذا الخبر من طرق كثيرة ، ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب « نهج البلاغة » ، وهي قوله عليه السلام في مروان : « يَحْمِلُ رايةَ ضلالة بعدما يَشِيبُ صُدْغاه ، وإنّ له إمْرة ... » إلى آخر الكلام .
وقوله : « فاستشفع الحسنَ والحسينَ إلى أمير المؤمنين عليه السلام » ، هو الوجه ، يقال : استشفعتُ فلاناً إلى فلان ؛ أي سألته أن يشفَع لي إليه ، وتشفّعت إلى فلان في فلان فشَفَّعني فيه تشفيعا . وقول الناس : « استشفعتُ بفلان إلى فلان » بالباء ليس بذلك الجيّد . وقول أمير المؤمنين عليه السلام : « أو لم يبايعني بعد قتل عثمان ! » أيْ وَقَدْ غدر ؛ وهكذا لو بايعني الآن .
ومعنى قوله : « إنّها كفٌّ يهوديّة » أي غادرة ، واليهود تنسَب إلى الغدر والخبْث ، وقال تعالى : « لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ »۱ .
والسَّبَّة : الأست ، بفتح السين ، سبّه يسبّه أي طعنه في الموضع ؛ ومعنى الكلام محمولٌ

1.سورة المائدة ۸۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86543
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي