195
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وهذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام في قصة ابن الحضرميّ حيث قدم البَصْرة من قِبَل معاوية ، واستنهض أميرُ المؤمنين عليه السلام أصحابه إلى البصرة ؛ فتقاعدوا .

56

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لأصحابهأَما إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ ، مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ ، يَأْكُلُ مَا يَجِدُ ، وَيَطْلُبُ مَا لاَ يَجِدُ ، فَاقْتُلُوهُ ، وَلَنْ تَقْتُلُوهُ ! ألاَ وَإنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَالْبَرَاءَةِ مِنِّي ؛ فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي ، فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ ، وَلَكُم نَجَاةٌ ؛ وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءوا مِنِّي ؛ فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَسَبَقْتُ إِلَى الإيمَانِ وَالْهِجْرَةِ .

الشّرْحُ :

مُنْدَحق البطن : بارزها ، والدَّحُوق من النوق : التي يخرج رَحِمها عند الولادة . وسيظهر : سيغلب . ورحْب البُلعوم : واسعه .
وكثير من الناس يذهب إلى أنه عليه السلام عَنَى زيادا ، وكثير منهم يقول : إنّه عَنَى الحجّاج . وقال قوم : إنه عَنَى المغيرة بن شعبة ؛ والأشبه عندي أنه عَنَى معاوية ؛ لأ نّه كان موصوفا بالنَّهَم وكثرة الأكل ، وكان بطيناً ، يقعُد بطنُه إذا جلس على فَخِذَيه ، وكان معاوية جوادا بالمال والصِّلات ، وبخيلاً على الطعام .
كان معاوية يأكل فيكثر ، ثم يقول : ارفعوا ، فواللّه ما شبِعت ولكن مَلِلت وتعِبت .
تظاهرت الأخبار أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله دَعَا عَلَى معاوية لَمَّا بعث إليه يستدعيه ، فوجده يأكل ، ثم بعث فوجده يأكل ، فقال : « اللهم لا تُشْبِع بطنه » ، قال الشاعر :

وَصَاحِبٍ لِي بَطْنُه كَالهَاوِيَهْكَأنَّ فِي أحْشَائِهِ مُعَاوِيَهْ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
194

مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إِلاَّ إِيمَانا وَتَسْلِيما ، وَمُضِيّا عَلَى اللَّقَمِ ، وَصَبْرا عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ ، وَجِدّا في جِهَادِ الْعَدُوِّ ؛ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا : أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا ، وَمَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا ، فَلَمَّا رَأَى اللّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الإسْلاَمُ مُلْقِيا جِرَانَهُ ، وَمُتَبَوِّئا أَوْطَانَهُ .
وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلإِيمَانِ عُودٌ . وَايْمُ اللّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَما ، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَما!

الشّرْحُ :

لَقَمُ الطريق : الجادّة الواضحة منها . والمَضَض : لذع الألم وبرحاؤه . والتَّصاول : أنْ يحمل كلُّ واحدٍ من القِرنين على صاحبه . والتخالس : التسالُب والانتهاب . والكبت : الإذلال . وجِران البعير : مقدّم عنقه . وتبوّأت المنزل : نزلته . ويقال لمن أسرف في الأمر : لَتحتلِبَنَّ دماً ، وأصله الناقة يُفْرَط في حَلْبها فيحلب الحالب الدم .
وهذه ألفاظ مجازية من باب الاستعارة ؛ وهي :
قوله : « استقرّ الإسلامُ ملقيا جِرانه » ، أي ثابتا متمكّنا ، كالبعير يلقى جِرانه على الأرض . وقوله : « متبوئا أوطانه » ، جعله كالجسم المستقرّ في وطنه ومكانه .
وقوله : « ما قام للدين عمود » ، جعله كالبيت القائم على العُمُد .
وقوله : ولا اخضرّ للإيمان عود » جعله كالشّجرة ذات الفروع والأغصان .
فأمّا قتلهم الأقاربَ في ذات اللّه فكثير ؛ قتلَ عليّ عليه السلام الجمَّ الغفير من بني عبد مناف وبني عبد الدار في يوم بَدْر وأُحُد ؛ وهم عشيرته وبنو عَمِّه .
وأمّا كَوْنُ الرجل منهم وقِرْنِه يتصاولان ويتخالسان ؛ فإنّ الحال كذلك كانت ؛ بارز عليّ عليه السلام الوليدَ بن عُتْبة ، وبارز طلحةَ بن أبي طلحة ، وبارز عمرو بن عبد وَدّ ؛ وقتل هؤلاء الأقران مبارزة ، وبارز كثيرا من الأبطالِ غيرهم وقَتَلهم ؛ وبارز جماعةٌ من شُجْعان الصحابة جماعةً من المشركين ؛ فمنهم مَنْ قُتِل ، ومنهم مَنْ قَتَل ، وكتب المغازي تتضمّن تفصيل ذلك .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86562
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي