183
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قال ابن سينا : أقول : إنّ هذا حُكْم لقوم ـ يعني المتكلمين وغيرهم ـ ممن يستدل عليه تعالى بأفعاله ؛ وتمام الآية : « أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ » .

الفصل الثالث

إن هويته تعالى غير معلومة للبشر

وذلك معنى قوله عليه السلام : « وامتنعَ عَلَى عَيْن البصير » ، وقوله : « ولا قلْبُ من أثبته يبصره » ، وقوله : « ولم يُطْلع العقولَ على تحديد صفته » ؛ فنقول : إنّ جمهورَ المتكلمين زعموا أنّا نعرف حقيقة ذات الإله ، ولم يتحاشوا من القول بأنّه تعالى لا يعلم من ذاته إلاّ ما نعلمه نحن منها .
وذهب ضِرار بن عمرو ۱ : أنّ للّهِ تعالى ماهيةً لا يعلمها إلاّ هو ؛ وهذا هو مذهب الفلاسفة .

الفصل الرابع

نفي تشبيهه بشيءٍ من مخلوقاته

وهو معنى قوله عليه السلام : « بعد وقرب » ، أي في حال واحدة ، وذلك يقتضي نفيَ كونه تعالى جسما . وكذلك قوله عليه السلام : « فلا استعلاؤه باعدَه ، ولا قربُه ساواهم في المكان به » ، فنقول : إنّ مذهبَ جُمهور المتكلمين نفيُ التشبيه ، وهذا القول يتنوّع أنواعا :
النوع الأول : نفي كونه تعالى جسما مركبا ، أو جوهرا فرداً غير مركب ، والمراد بالجوهر هاهنا الجرْم والحجم . وهو قول المعتزلة وأكثر محقِّقي المتكلّمين من سائر الفرق ، وإليه ذهبت الفلاسفة أيضا .

1.ضرار بن عمرو ، صاحب مذهب الضرارية من فرق الجبرية . كان في بدء أمره تلميذاً لواصل بن عطاء المعتزلي ، ثم خالفه في خلق الأعمال ، وإنكار عذاب القبر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
182

أنه لا يكون ۱ .

الفصل الثاني

كونه تعالى مدلولاً عليه بالأُمور الظاهرة ؛ يعني أفعاله

ففي تفسير قوله عليه السلام : « ودَلّت عليه أعلام الظهور » .
فنقول : إنّ الذي يستدلّ به على إثبات الصانع يمكن أن يكون من وجهين ؛ وكلاهما يصدق عليه أنه أعلام الظهور ، أحدهما : الوجود ، والثاني : الموجود .
أمّا الاستدلال عليه بالوجود نفسه فهي طريقة المدقّقين من الفلاسفة ، فإنهم استدلّوا على أنّ مسمّى الوجود مشترك، وأنه زائد على ماهيّات الممكنات، وأنّ وجودَ الباري لا يصحّ أن يكون زائدا على ماهيّته، فتكون ماهيّته وجودا ؛ ولا يجوز أن تكون ماهيته عارية عن الوجود ؛ فلم يبقَ إلاّ أن تكون ماهيته هي الوجود نفسه، وأثبتوا وجوبَ ذلك الوجود، واستحالةَ تطرّق العدم إليه بوجه مّا، فلم يفتقروا في إثبات الباري إلى تأمّل أمْرٍ غير نفس الوجود .
وأمّا الاستدلالُ عليه بالموجود لا بالوجود نفسه ؛ فهو الاستدلال عليه بأفعاله، وهي طريقة المتكلمين. قالوا: كلّ ما لم يُعْلَم بالبديهة ولا بالحسّ ؛ فإنما يُعلم بآثاره الصادرة عنه ؛ والباري تعالى كذلك ؛ فالطريق إليه ليس إلاّ أفعاله ، فاستدلّوا عليه بالعالَم ، وقالوا تارة : العالم محدَث وكلّ محدَث له محدِث . وقالوا تارة أُخرى : العالَم ممكِن ، فله مؤثّر .
وقال ابن سينا : إنّ الطريقة الأُولى وهي الاستدلال عليه بالوجود نفسه أعْلَى وأشرف ؛ لأ نّه لم يحتج فيها إلى الاحتجاج بأمر خارج عن ذاته ، واستنبط آيةً من الكتاب العزيز في هذا المعنى ؛ وهي قوله تعالى : « سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّه الحَقُّ »۲ .

1.أعرضنا عن نقل بقية الأقوال لوضوح بطلانها .

2.سورة فصّلت ۵۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86572
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي