61
اسباب اختلاف الحديث

بطيئا في الكتابة أو لا يحسنها ـ ومنهم من كان يسمع الحديث ويكتبه حين السماع بألفاظه؛ استيثاقا لصحّة الحديث، وكان من أشهرهم في ذلك زرارة بن أعين .
أضف إلى ذلك إنّ أفراد الطائفة الاُولى أيضا لم يكونوا بمرتبة واحدة في الحفظ والضبط وجودة الفهم وقوّة التعبير وما إلى ذلك ، بل كانوا بمراتب مختلفة .
ثمّ إنّ الأئمّة عليهم السلام وإن أجازوا نقل الحديث بالمعنى ـ لمصالح تقدّم بيانها ـ إلاّ أنّهم عليهم السلام كانوا يحضّون ويرغّبون رواتهم في استيثاق الحديث بالكتابة والتدقيق في النقل بكل مبالغة وتوكيد ، لكننا نجد مع ذلك كلّه ورود كثير من الأحاديث المنقولة بالمعنى ؛ تبعا للجواز الشرعي، وجريا على السيرة العقلائية .

أحكام الحديث المنقول باللفظ أو بالمعنى

إن تبيّن لنا أنّ الحديث منقول بلفظ المعصوم عليه السلام فهو ، وإلاّ فإمّا أن نتبيّن كونه منقولاً بالمعنى ، أو نتردّد في ذلك فإليك بيان صوره وأحكامه :
أ ـ في صورة إحراز كون الحديث منقولاً باللفظ يمكن الاستدلال بمفاد الحديث، حتّى في المعاني الدقيقة الكامنة وراءَ دقائق الألفاظ، اللّهمّ إلاّ أن يمنع عنه مانع آخر .
ب ـ وفي صورة تبيّن نقله بالمعنى ؛ أيضا فأصالة عدم الخطأ في نقل الراوي الثقة ـ كأصل عقلائي ممضى في الشرع ـ تقتضي صحّة فهمه، وسلامة تعبيره، وأنّ مفاد الرواية هو عين مراد المتكلّم ، فهذا الحديث يكون حجّة في المعاني الدقيقة المستندة إلى دقائق الألفاظ أيضا، لكن بقدر مالا يخفى عادة على مثل راويه حسب مستواه الثقافي، دون الدقائق الّتي لم يكن ذاك الراوي ليتفطّن إليها عادة، مع الأخذ بنظر الاعتبار باختلاف حال الرواة ومستوَياتهم في ذلك .
ج ـ وأمّا إذا تردّدنا في ذلك ـ فإنّه وإن أمكن القول بأنّ الأصل العقلائي حاكم بالبناء على كون الكلام منقولاً باللفظ ما لم يدلّ دليل أو تقوم قرينة خاصّة أو عامّة على خلافه ـ إلاّ أنّ كثرة وقوع النقل بالمعنى وشيوعه وإعتياد الناس على ذلك يمنع عن الاطمئنان بهذا الأصل والإفتاء وفقا للمعاني المستخرجة من دقائق ألفاظه إلاّ بالمقدار المشار إليه في


اسباب اختلاف الحديث
60

وَ فَصْلَ الْخِطَابِ * .... يَـدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ... » . 1
فالتدبّر في هذه الآيات وغيرها في شأن داوود عليه السلام يفيد أنّ خلافته عليه السلام كانت بعزيمة من اللّه تعالى من دون تخيير ،و أنّه كان ممّن فضّله اللّه على العالمين وعلى كثير من عباده المؤمنين، ما خلا محمّد صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام ، وقليل من كبار المرسلين عليهم السلام ، وأنّه كان ممّن آتاه اللّه الكتاب والعلم والفضل والحكمة والعصمة .
أفنبيّ كريم مثل داوود عليه السلام مع هذه الجلالة يصلح لشأنه مضمون هذا الخبر؟! فأستغفر اللّه ربّي لحكاية مثل هذه الرواية .

تنبيهان

الأوّل : النقل بالمضمون

يلحق بالنقل بالمعنى النقل بالمضمون ، وهو أن يحكي الراوي مضمون ما تحمّله من كلام المعصوم أو من رواية شيخه ، فربما يؤثّر في نقله سوء فهمه وخطؤه في تلقّي مقاصد المتكلّم ، فقد يتكلّم المعصوم بمطلق أو عامّ فينقله الراوي مصرِّحا بوجه العموم أو الإطلاق ، مع أنّ لذاك العامّ أو المطلق مخصِّص أو مقيّد يمكن الجمع بينهما لولا التصريح بوجه العامّ والمطلق ، ولكن للتصريح بوجه العموم أو الإطلاق لا يمكن الجمع بينهما بوجه عرفي ؛ لصيرورة المتنافيين حينئذ متباينين . اللّهمّ إلاّ إذا عرفنا بعض الرواة له بالنقل بالمضمون أحيانا، فنحمل حديثه على ذلك ، ومّمن نعرفه بهذه الصفة هو عمّار الساباطي ، أحيانا ، فتنبّه .

الثاني : بعض ما يتعلّق بالنقل باللفظ أو بالمعنى

إنّ أحوال الرواة ـ سواء في نقل الحديث لفظا أو معنى ـ مختلفة ، فمنهم من كان يسمع الحديث ويعيه بقلبه ولا يكتبه مباشرة، بل ينتظر الفرصة لتقييده بالكتابة ـ بل ومنهم من كان

1.سورة ص : ۱۷ ـ ۲۶ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 218656
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي