559
اسباب اختلاف الحديث

علاج الاختلاف:

رفع الاختلاف بينهما بحمل النفي والحصر في الأوّل على النفي والحصر الإضافيّين ، وأنّ الإمام عليه السلام أراد به دفع ما كان يتوهمّه المخاطب من كليّة ما في الحديث الأوّل ، حيث زعم أنّ اللّه تعالى إذا أحبّ عبدا ألقى محبّته في قلوب جميع أهل الأرض ، فأشكل عليه أمرُ بغض الناصبين لأهل البيت عليهم السلام ، وحبّهم للجبت والطاغوت . فنفى الإمام عليه السلام هذا الوهم وأفاد بأنَّ هذا الحديث لاينافي حقيقة اُخرى وهي أنَّ اللّه تعالى إذا أحبّ عبدا ألقى بغضه وعداوته إلى السَفَلة والأجلاف ، فيقعون فيه أو يقتلونه ، فيأثمون ويهلكون « ذَ لِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ »۱ ، ويثيب أولياءه بذلك بما صبروا .
توضيحه : أن اللّه تعالى منح الإنسان عقله وروحه ـ الّذي هو من أمره ـ وجعل له النفس الأمّارة بالسوء ، ومن جنود النفس الغضبُ والشهوة ، فغرز في روحه وقلبه حبَّ الجمال والنزاهة والكمال ، فجعل اللّه تعالى أفئدةَ هؤلاء تهوي إلى الرِفعة والكمال ، وإلى أوليائه كلاًّ على قدر جِدَته منها وتحلّيه بحُليِّها . ۲ كما أنّ من غُلِب على عقله واتَّبع هواه ونفسَه الأمّارة ، أحبّ الجبت والطاغوت وأولياءهم ، ۳ ويشهد لذلك ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ الأحاديث الواردة في «الرّوح»، وكونِ الأرواح جنودا مجنَّدة . ۴

1.البقرة: ۶۱ .

2.كما قال عزّ من قائل : « وَ لَـكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاْءِيمَـنَ وَ زَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيَانَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الرَّ شِدُونَ » (الحجرات: ۷ ) . و « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدًّا » (مريم: ۹۶). «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ » (البقرة: ۱۶۵). وتأمّل أيضا في الآيات التالية: الحِجر: ۳۹ ، فصّلت: ۲۵ . طه: ۳۹، وغيرها من الآيات.

3.تأمّل في الآيات التالية : حكاية قول إبليس : « قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ » (الحِجر: ۳۹ ) . وفي صفة أعداء اللّه : « وَ قَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ » (فصّلت: ۲۵ ) . وفي ذكر ما مَنّ اللّه تعالى به على موسى عليه السلام : « وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَ لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى » (طه : ۳۹ ) .

4.راجع ميزان الحكمة: ج۲ ص۱۱۲۸ عنوان «الروح» .


اسباب اختلاف الحديث
558

المثال الخامس : تفسير « سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـنُ وُدًّا »

۶۰۲.۱ . روى الصدوق قدس سره بإسناده عن المفضّل بن عمر، قال :قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنَّ مَن قبلنا يقولون : إنَّ اللّه تبارك وتعالى إذا أحبّ عبدا نوّه به منوِّه من السماء: أنَّ اللّه يحبّ فلانا فأحبّوه، فتلقى له المحبّة في قلوب العباد، فإذا أبغض اللّه تعالى عبدا نوّه مُنوِّه من السماء: أن اللّه يبغض فلانا فأبغضوه، قال : فيلقي اللّه له البغضاء في قلوب العباد. قال : كان عليه السلام متكئا فاستوى جالسا، فنفض يده ثلاث مرّات يقول : لا ، ليس كما يقولون . ولكن اللّه عز و جلإذا أحبّ عبدا أغرى به الناست في الأرض ، ليقولوا فيه فيؤثمهم ويأجره ، وإذا أبغض اللّه عبدا حببّه إلى الناس ليقولوا فيه فيؤثمهم ويؤثمه . ثمّ قال عليه السلام : من كان أحبّ إلى اللّه من يحيى بن زكريا عليه السلام !! أغراهم به حتّى قتلوه، ومن كان أحبّ إلى اللّه عز و جلمن عليّ بن أبي طالب عليه السلام !! فلقي من الناس ما قد علمتم ، ومن كان أحبّ إلى اللّه تعالى من الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما !! فأغراهم به حتّى قتلوه . ۱

۶۰۳.۲ . عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا أحبّ اللّه عبدا يقول لجبرئيل : أحببت فلانا فأحببه . فيحبّه جبرئيل، ثم ينادي [في أهل السماء] : إنَّ اللّه قد أحبّ فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء ، ثمّ توضع له المحبّة في أهل الأرض . ۲

مورد الاختلاف:

يدلّ الحديث الثاني ـ كغيره من الأحاديث ـ على أنَّ اللّه تعالى إذا أحبّ عبدا ألقى محبّته على جبرئيل عليه السلام فيحبّه ، وينادي في أهل السماء يأمرهم بحبّه ، ثمّ توضع محبّته على أهل الأرض ويلقى في قلوبهم . مع أنَّ الحديث الأوّل ـ بظاهره البدئي ـ ينفي هذا المعنى نفيا باتّا .

1.معاني الأخبار: ص۳۸۱ ح۱۱ .

2.تفسير كنز الدقائق: ج۸ ص۲۷۶ ، وفي سنن الترمذي: ج۵ ص۳۱۷ ح۳۱۶۱ و السنن الكبرى: ج۴ ص۴۱۶ و صحيح ابن حبّان: ج۲ ص۸۵ و ۸۶ ح۳۶۴ و۳۶۵ وكنز العمّال: ج۲ ص۸ ح۲۹۱۲ الأربعة الأخيرة نحوه ، وفي الدرّ المنثور: ج۴ ص۵۴۵ و ۵۴۶ عدّة أحاديث بمعناه .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 215138
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي