405
اسباب اختلاف الحديث

فأخذ منه ، وقال : اِرجع إلى النبي صلى الله عليه و آله . فقال أبو بكر: هل حدث فيّ شيء ؟ فقال علي عليه السلام : سيخبرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فرجع أبو بكر إلى النبيّ، فقال: يا رسول اللّه ، ما كنتَ ترى أنّي مؤدٍّ عنك هذة الرسالةَ ؟ فقال له النبي صلى الله عليه و آله : أبى اللّه أن يؤدّيها إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام . فأكثر أبو بكر عليه من الكلام ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : كيف تؤدّيها وأنت صاحبي في الغار . . . ۱

2 . والأحاديث المخالفة لهذا كثيرة لا حاجة إلى ذكرها . ۲

مورد الاختلاف :

وضوح وجه الاختلاف يغنينا عن البيان .

علاج الاختلاف :

بحمل الحديث على الإيهام المشحون بأدب محمّديّ ؛ وذلك لأنّه صلى الله عليه و آله يكلّمه بما يُسكنه ويُخفّف من قلقه ومساءته ، حيث يخاطبه بلفظ مليح ويذكِّره بصحبته له في ذلك اليوم ، ومع ذلك كلّه يختار من الألفاظ ما يفيد وجه حكمة أمر اللّه تعالى برجوعه وعدم تأديته لرسالة الرسول الكريم ، فقال صلى الله عليه و آله : «كيف تؤدّيها وأنت صاحبي في الغار» . وهذا الكلام ـ بسياقه وقرينية مقامه ـ إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّك يا أبا بكر نفسَ الّذي كان معي في الغار ، وكنت من الضعف والجبن والفزع بحيث لم تكن تَسكُن بتسكيني ولا بقولي لك : « لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا »۳ ، فكيف تقدر أن تؤدّي عنّي هذه البراءة الشديدة إلى ملأ من الناس يوم الحجّ الأكبر ؟!
وأمّا بعثه صلى الله عليه و آله إيّاه مع علمه بذلك ، فلا ندري كثيرا من سرّه، مع علمنا بكونه صلى الله عليه و آله حكيما معصوما مرعيّا برعاية اللّه تعالى في مقاله وفعاله ، بل في جميع ما كان يخطر بقلبه؛ وينقدح في خلده صلى الله عليه و آله .

1.إقبال الأعمال : ج۲ ص۳۸ .

2.راجع الغدير : ج۷ ، وكذا بحار الأنوار : ج۲۹ و ۳۱ .

3.التوبة : ۴۰ .


اسباب اختلاف الحديث
404

علاج الاختلاف :

لا يصحّ علاج هذا الاختلاف في حاقّ الأمر بحمل المطلق على المقيّد ؛ لعدم وجود مبرِّر لمثل هذا الإطلاق المراد به وجه التقييد ، مضافا إلى مخالفته لمستفيض من الأحاديث ، كما ذكرنا أو أشرنا إلى مجموعة منها في البحثين المشار إليهما . والعلاج الوحيد الحاسم هو حمل الحديث الثاني على التوجيه ؛ تقيّة لصالح الراوي السائل لما رأى الإمام عليه السلام قلّة تحمّله لذلك ، لأنّهم عليهم السلام كانوا مأمورين بأن يكلّموا الناس على قدر عقولهم وتحمّلهم . فلأجل ذلك حمل الإمام عليه السلام حديث جدّه الأطيب عليه السلام على وجه صحيح في نفسه، غير مراد منه في حاقّ معناه ؛ لأنّ تفاضل مراتب أحاديثهم الصعبة المستصعبة يقتضي وجود أحاديث لا تكون بتلك الصعوبة . والشاهد على ذلك كما أشرنا إليه آنفا أحاديث كثيرة ، منها :

۴۲۶.ما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن عبد الخالق وأبي بصير ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا أبا محمّد ، إنّ عندنا واللّه سرّا من سرّ اللّه ، وعلما من علم اللّه ، واللّه ما يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، واللّه ما كلّف اللّه ذلك أحدا غيرنا، ولا استعبد بذلك أحدا غيرنا، وإنّ عندنا سرّا من سرّ اللّه ، وعلما من علم اللّه ، أمرنا اللّه بتبليغه ، فبلّغنا عن اللّه عز و جلما أمرنا بتبليغه ، فلم نجد له موضعا ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه، حتّى خلق اللّه لذلك أقواما؛ خُلقوا من طينة خُلق منها محمّد وآله وذرّيتّه عليهم السلام ، ومن نور خلق اللّه منه محمدا وذرّيّته، وصنعهم بفضل رحمته الّتي صنع منها محمّدا وذرّيّته . . . ۱

المثال الثاني : إبلاغ أميرالمؤمنين عليه السلام سورة براءة وردّ أبي بكر

۴۲۷.۱ . السيّد ابن طاووس عن كتاب حسن بن أشناس، بإسناده عن حسين بن زيدقال :حدثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهم السلام ، قال: لمّا سرّح رسول اللّه صلى الله عليه و آله أبا بكر بأوّل سورة براءة إلى أهل مكّة ، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك ألاّ تبعث هذا، وأن تبعث عليّ بن أبيطالب ، وأنّه لايؤدّيها عنك غيره. فأمر النبي صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فلحقه

1.الكافي: ج۱ ص۴۰۲ ح۵ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 215066
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي