397
اسباب اختلاف الحديث

وقال السيوطي : «الإيهام ـ ويدعى التورية ـ : أن يذكر لفظ له معنيان؛ إمّا بالاشتراك، أو التواطؤ، أو الحقيقة، أو المجاز، أحدهما قريب والآخر بعيد ، ويقصد البعيد ويورّي عنه بالقريب ، فيتوهَّمه السامع من أوّل وهلة ـ ثمّ مثّل بقوله تعالى: « الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى » ، ثمّ قال : ـ وهذه التورية تسمّى مجرّدة ، لأنّها لم يذكر فيها شيء من لوازم المورّى به ولا المورّى عنه . ومنها ما تسمّى مرشَّحة ، وهي الّتي ذكر فيها شيء من لوازم هذا أو هذا » ۱ .
تنبيه : لا ينبغي الريب في أنَّ التورية لا تعدّ كذبا، فلا يشملها حكمه . وأدلّ دليل عليه كثرة ورودها في كلمات الأنبياء عليهم السلام وأهل البيت عليهم السلام ، وحكايتها في القرآن الكريم وتأييدها، مثل قوله تعالى :
أ ـ « أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَـرِقُونَ * قَالُواْ وَ أَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ . . . كَذَ لِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ »۲ .
ب ـ « فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ »۳ .
وسيأتي له أمثلة اُخرى على حكمها . وقد بحث عنه فقهاؤنا الأبرار في الكتب الفقهية أيضا ۴ .
وقد يعبّر عنها بالمعاريض ، قال الجوهري : «التعريض خلاف التصريح . . . ومنه المعاريض في الكلام ، وهي التورية بالشيء » ۵ . وفي لسان العرب : « المعاريض من الكلام : ما عُرِّض به ولم يصرَّح . . . والتعريض : خلاف التصريح . والمعاريض : التورية بالشيء عن الشيء . وفي المثل ـ وهو حديث مخرج عن عمران بن حصين ، مرفوعٌ ـ : إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب ؛ أي سعة ، المعاريض: جمع معراض، من التعريض . . .

1.الإتقان في علوم القرآن : ج۳ ص۲۸۵ ـ ۲۸۶ .

2.يوسف : ۷۰ ـ ۷۶ .

3.الصافّات: ۸۸ ـ ۸۹ .

4.المكاسب المحرّمة للإمام الخميني قدس سره : ج۲ ص۳۹ ـ ۵۰ والمكاسب للشيخ الأنصاري قدس سره : ج۲ ص۱۹ ـ ۲۶ .

5.الصحاح : ج۲ ص۱۰۸۷ .


اسباب اختلاف الحديث
396

السبب الرابع والخمسون : التورية

التورية في اللغة : هي لغة مصدر وَرَّيتُ الحديثَ: أي سترتُه، وأظهرتُ غيرَه .
قال أبو عبيد : «لا أراه إلاّ مأخوذا من وراء الإنسان، فإذا قال : ورّيته فكأنّه جعله وراءه؛ حيث لا يظهر» ۱ .
التورية في الاصطلاح : ذكر لفظ له معنيان؛ أحدهما قريب ، والآخر بعيد يكون هو المقصود ، فيتوهّم السامع أنَّ مُراد المتكلّم هو المعنى القريب ، مع أنّه أراد البعيد ، اعتمادا على قرينة خفيّة أضمرها في قلبه . ۲ ولها أقسام تطلب من مظانّها . ۳
وسمّاها السكّاكي بالإيهام، قائلاً في تعريفه : «الإيهام: هو أن يكون للّفظ استعمالان؛ قريب وبعيد ، فيذكر لإيهام القريب في الحال إلى أن يظهر أنّ المراد به البعيد » ۴ .
كما قال الخطيب : «التورية ـ ويسمّى الإيهام أيضا ـ هي أن يطلق لفظ له معنيان ؛ قريب وبعيد ، ويراد به البعيد اعتمادا » ۵ يعني اعتمادا «على قرينة خفيّة» ۶ .

1.المصباح المنير: ص۶۵۷ (ورى ) .

2.راجع المطّول في شرح تلخيص المفتاح : ص۴۲۵ وجواهر البلاغة : ص۳۶۲ .

3.عدّ السيّد السيستاني التوريةَ من طرق الكتمان الّذي هو ـ حسبَ تقسيمه ـ من جملة الأسباب الداخلية للاختلاف، وقسّمها إلى التورية البديعية (وهي إطلاق لفظ له معنيان : قريب وبعيد مع إرادتهما جدّا)، والتورية العرفية (وهي الستر على المراد الجدّي الواقعي بعدّة أساليب) . ثمّ أشار إلى تقسيم العرفية منهما إلى أنواع، منها: العدول عن سؤال السائل إلى بيان مطلب آخر، وإلقاء الجواب المجمل أو المختلف. (راجع الرافد في الاُصول: ص۲۱۷).

4.مفتاح العلوم : ص ۱۸۰ .

5.المطوّل في شرح تلخيص المفتاح : ص ۴۲۵ .

6.كذا فسّره التفتازاني ، راجع نفس المصدر .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 218985
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي