263
اسباب اختلاف الحديث

السبب الثاني والثلاثون : البَداء

من أسباب الاختلاف الصوري في الأحاديث «البداء» . وهو من أدقّ المعارف، وأنفع الحقائق التوحيدية ۱ ومتشابهاتها الّتي صارت مثار الخلاف بين الفِرق الإسلامية، بل بينهم وبين غيرهم .
وعلى الرغم من كونه ممّا يلتزم به كلّ ذو مسكة وديانة في العمل ، ومن الفطريّات الّتي لا ينكرها أحد في أعماق وجدانه ، ترى اليهود همّوا بإنكار «البداء» و«النسخ» ۲ .
ومن المؤسف أنّ دلالة عدد كبير من الآيات والروايات على «البداء» لم تمنع بعض المسلمين عمّا هم عليه من التشنيع والنقمة علينا معاشرَ شيعة أهل البيت ، حيث ينقمون منّا باهتدائنا إلى البداء ـ في ضوء الكتاب والسنّة ـ مع كونهم مشاركين لنا في واقع الالتزام به ، مهما ينكرونه بألسنتهم ، فإنّ ،

۲۵۸.الناس أعداء ما جهلوا . ۳

وإلى اللّه المشتكى من تفسيرهم «البداء» بما أبدعوه من عند أنفسهم ثمّ نسبوه إلينا ، ونحن نبرأ إلى اللّه تعالى وإلى أوليائه عليهم السلام من مختلقاتهم وفريات ألسنتهم .
فبينا هم يقولون بالنسخ تراهم ، يرفضون البداء بكلّ حماس، ولم يلتفتوا إلى رجوعهما في حقيقتهما إلى مرجع واحد .

1.فمن ثمّ جاء في الصحيح عن الإمام الباقر عليه السلام : «ما عُبد اللّه بشيء مثل ما عُبد بالبداء» ، وعن الإمام الصادق عليه السلام : «ما عُظّم اللّه بمثل البداء» .

2.وهذا في حدود العقيدة دون العمل .

3.نهج البلاغة : الحكمة ۱۷۲ و۴۳۸ .


اسباب اختلاف الحديث
262

بل إنّ النبي صلى الله عليه و آله بكى وندب ۱ بناته صلى الله عليه و آله وابنه إبراهيم عليه السلام ، ولم يمنع فاطمة عليهاالسلاموالهاشميات عن حضور الجنائز والصلاة عليها والبكاء والنوح .

۲۵۷.فلمّا أنكر عليه صلى الله عليه و آله بعض الصحابة بكاءَه وندبته ـ قائلاً :يا رسول اللّه تنهى عن البكاء وأنت تبكي؟ ـ قال : «ليس هذا بكاءً إنَّما هذا رحمة ، ومن لا يَرحم لا يُرحم» ۲ .

فبيّن لهم أنَّ هذا البكاء الناشئ من العواطف الإنسانية والفطرة الإلهية ليس هو المنهيّ عنه ، وإنّما المنهيّ عنه هو البكاء الممزوج بمزيج الكفر والضلال .
هذا ؛ ولا يحضرني من أمثلة نسخ السنّة بمثلها ـ بمصطلحه الخاصّ ـ غير ما تقدّم ، مع كونه محلّ التأمّل .

وهم ودفع في حقيقة النسخ

لا يقال : النسخ ينافي علم اللّه سبحانه بالمصالح والمفاسد الّتي لابدّ منها في تشريع الأحكام ؛ إذ لو كان للمنسوخ مصلحة فالنسخ لماذا؟! وإن كان للناسخ مصلحة أعظم منه ، فلابدّ من ملاحظتها من بداية الأمر .
لأنّه يقال: حقيقة النسخ ليست إلاّ رفع الحكم الشرعي الثابت المحدود ـ في علم اللّه ـ وقتا وأمدا من أوّل التشريع ، لكن ظاهر دليله في مقام الإبلاغ مقتضٍ للبقاء والدوام . فإذا ورد الناسخ انكشف أنّ الدليل الأوّل كان مؤقّتا وقد انتهى أمده . فالمصلحة ـ حين التشريع وإبلاغ الحكم ـ وإن اقتضت نسبة الحكم إلى الموضوع بلسان الإطلاق ، غير أنَّ الموضوع كان في علم اللّه تعالى مقيّدا بقيد أو معلّلاً بعلّة أو منوطا بملاك مؤقّت ، فبانتهاء أمد قيد الحكم وملاكه يتبدّل موضوع الحكم فيتبعه حكمه .

1.الكافي: ج۳ ص۲۶۲ ح۴۵ ، بحار الأنوار : ج۲۲ ص۱۵۷ ح۱۶ .

2.الأمالي للطوسي : ص۳۸۸ ح۸۵۰ ، وسائل الشيعة: ج۳ ص۲۸۲ ح۳۶۵۶ وراجع سنن ابن ماجة : ج۱ ص۵۰۶ ح۱۵۸۸ و ۱۵۸۹ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 215168
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي