219
اسباب اختلاف الحديث

ففي موضوع واحد يأمر الأوّلان بالمضيّ وعدم الاعتناء بالشكّ ، والأخيران بالاعتناء به والعود على المشكوك فيه .
وهذا الاختلاف غير مختصّ بهذا المورد بل هو نموذج من البحث في أنّ الأمر بالمضيّ والنهي عن الاعتناء بالشكّ في قاعدة التجاوز هل هو من باب الإلزام أم من باب الترخيص ؟

علاج الاختلاف :

في علاج هذا الاختلاف وقع اختلاف صوري بين العلماء في تحليلهم للقاعدة مع اتّفاقهم ـ بمقتضى وجدانهم الفقهي النبيه ـ على واقع الحكم الشرعي ، فلا بأس بذكر بعض كلماتهم تمهيدا للعلاج الحاسم ، فنقول :
قال السيّد السبزواري قدس سره : «الظاهر أنّ البناء على الوقوع في موردهما ترخيص لا أن يكون عزيمة فيجوز الرجوع والإتيان ما لم يلزم محذور من زيادة ركن ونحوه» ۱ .
وقال المولى حبيب اللّه الشريف رحمه الله : «ظاهر الأخبار أنّ الحكم بعدم الرجوع حينئذٍ إنّما هو من باب العزيمة لا من الرخصة، فلو أتى بالمشكوك فيه لبطلت صلاته ، كما لو ترك التلافي في المحلّ ، وربما يحكى عن بعضهم أنّ ذلك من باب الرخصة» ۲ .
وقال المحقّق العراقي قدس سره : «الظاهر أنّ المضيّ على المشكوك فيه ـ في قاعدة التجاوز ـ عزيمة لا رخصة ، فلا يجوز الإتيان بالمشكوك ولو برجاء الواقع ؛ لظهور الأمر بالمضيّ في أخبار الباب ، وقوله عليه السلام : «بلى قد ركعت» في وجوب البناء على وجود المشكوك فيه وتحقّقه في محلّه، وإلغاء الشكّ فيه ، فإنّه مع هذا الأمر وهذا البناء لايجوز العود إلى المشكوك فيه ، ولو رجاءً ؛ لأنّه لاموضوع له مع حكم الشارع بوجوده ، فيكون الإتيان به حينئذٍ من الزيادة العمديّة بالنسبة إلى نفس المشكوك فيه ، وبالنسبة إلى الغير الّذي دخل

1.تهذيب الاُصول : ج۲ ص۳۰۰ .

2.مستقصى مدارك القواعد : ص۲۰۵ .


اسباب اختلاف الحديث
218

۲۱۰.۳ . الشيخ بإسناده عن أبي بصيرعن أبي عبداللّه عليه السلام ـ في رجل نسي أن يمسح على رأسه، فذكر وهو في الصلاة ، فقال عليه السلام ـ :إن كان قد استيقن ذلك انصرف ومسح على رأسه ، وعلى رجليه واستقبل الصلاة وإن شكّ فلم يدرِ مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته ـ إن كانت مبتلّة ـ وليمسح على رأسه ، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه . ۱

۲۱۱.۴ . الشيخ والكليني بإسناده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام :إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا ، فأعِد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه . . . فإذا قمت عن الوضوء فرغت منه وقد صرت في حال اُخرى ـ في الصلاة أو في غيرها ـ فشككت في بعض ما قد سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوءه ، لا شيء عليك فيه . فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك ، فإن لم تصِب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ، وامضِ في صلاتك . . . . قال زرارة: قلت له : رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة فقال : إذا شكّ وكانت به بلّة وهو في صلاته مسح بها عليه ، وإن كان استيقن رجع فأعاد عليهما ما لم يصب بلّة . فإن دخله الشكّ وقد دخل في صلاته فليمضِ في صلاته ولا شيء عليه . ۲

مورد الاختلاف :

مدلول الحديثين الأوّلين ـ فيما إذا شكّ في شيء بعد التجاوز عن المشكوك فيه أو عن محلّه ـ هو وجوب المضيّ في العمل وعدم جواز الاعتناء بالشكّ؛ وذلك لظهور الأمر بالمضيّ على وجوبه. مع أمر الحديثين الأخيرين ـ عند الشكّ في المسح على الرأس أثناء الصلاة ـ بأخذ الرجل من لحيته بللاً ـ إن كانت مبتلّة ـ لمسح رأسه ، وإن لم تكن مبتلّة وكان أمامه ماء تناول منه ومسح به رأسه .

1.تهذيب الأحكام : ج۲ ص۲۰۱ ح۷۸۷ ، وسائل الشيعة : ج۱ ص۴۷۱ ح۱۲۵۰ .

2.تهذيب الأحكام : ج۱ ص۱۰۰ ح۲۶۱ ، الكافي : ج۳ ص۳۳ ح۲ بتفاوت يسير في اللفظ ، وسائل الشيعة : ج۱ ص۴۶۹ ح۱۲۴۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 218960
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي