123
اسباب اختلاف الحديث

وكذا في مرحلة الأداء، فإنّه قد لا يخطئ في فهمه لكنّه يخطئ في أداء ما تحمّله بما يفيد خلاف ماتلّقاه من المعصوم ونوى بيانه. كأن يحكيه بلفظ يتخيل أنه مرادف للفظ المعصوم ، أو يعدّي الفعل بحرف غير ما عدّاه به المعصوم عليه السلام ، أو يخطئ في تركيب الحديث؛ بأن يجعل بعض القيود في محلّ يفيد خلاف المقصود في دقائق المعاني، بل في غيرها أيضا.
فمن ثمّ نرى المحقّقين من أصحابنا في موارد تعارض أحاديث عمّار الساباطي مع غيرها من الصحاح قد يحكمون بمرجوحية حديث عمّار مع وثاقته ؛ لأنّه لم يكن عربيا، فلم يكن يحسن العربية. بل وقد نلاحظ في أحاديثه بعض الركاكة في التركيب والتعبير.
قال شيخنا العلاّمة السبحاني : «كان بين الرواة اُناس غير عربيّين يعيشون في البلاد العربية ، غير متقنين لها، فكانوا ينقلون الحديث من دون أن يقفوا إلى نكاته ودقائقه، فيذكرونه حسب ما فهموا من الإمام ، وبالتالي كان يتطرّق إليه الاضطراب والقلق وعدم السلامة ، هذا ما نشاهده في روايات عمّار الساباطي ، ولأجل ذلك يجب في القضاء بين الروايات المختلفة التعرف على ثقافة الرجل، ومقدار تضلّعه في اللغة والحديث، ومدى ممارسته؛ فإنّ بعض الرواة ليس له إلاّ رواية أو روايتين ، وبعضهم تختصّ روايته بموضوع خاصّ حسب مهنته الّتي كان يمارسها كصفوان الجمّال ، وفي مقابلهم مئات من رجال الحديث ضحّوا بأنفسهم في سبيل الحديث وجمعه ولكلّ حقّه وقدره ، ولا يُكال الجميع بكيل واحد» ۱ .

طرق التعرّف على مستوى ثقافته

قد عرفنا إمكان وقوع الاختلاف بين الأحاديث لقلّة ثقافة الراوي ، سواء كان لقلّة تضلّعه في العربية أو الفقه والكلام والتفسير ، أو قصور فهمه ، أو نحو ذلك . فمن اللازم الوقوف على طرق معرفة ما يقع فيه اختلال من هذه الناحية ، وإليك بعضها:
أ ـ ركاكة لفظ الحديث ، أنّ كلام أهل البيت عليهم السلام لا يمكن أن يكون ركيكا؛ لأنّ

1.المحصول في علم الاُصول : ج۴ ص۴۳۵ .


اسباب اختلاف الحديث
122

السبب الحادي عشر : قلّة ثقافة الراوي

ممّا يمكن أن يعتبر من أسباب اختلاف الأحاديث ، قلّة ثقافة الراوي ، ومستوى علمه، وقصور فهمه.
عنونه بعض مشايخنا ـ دام ظلّه ـ بعنوان : «قلّة ثقافة الراوي العربية» ۱ .
لكنّ التقييد بالعربية غير جيّد، ۲ فإنّ قلّة البضاعة العلمية وقصور فهم في الراوي يوجب كثرة خطئه في فهم ما سمعه، أو في التعبير عمّا سمعه وفهمه صحيحا ، وكلّ ذلك يجعل الحديث في معرض الاختلاف مع سائر الأحاديث .
ومن نماذج ذلك الروايات المنقولة في النجوم ، أو المعارف العقلية الدقيقة ، وما يتعلّق بالملكوت والعوالم الغيبية ، فإنّ كثرة الأخطاء فيها ووضوح تفاوت الرواة ورواياتهم فيها عند المقارنة بينها من أوضح الشواهد على مدى تأثير ثقافة الرواة في استقامة نقلهم وسلامة حديثهم .
فعلم أنّ لثقافة الرواة أثرا في كلّ من مراحل تحمّل الحديث وأدائه أو في كليهما ؛ فإنّ بعض الرواة لقلّة علمه، أو ضعف عقله، أو قصور فهمه، أو قلّة معرفته بالعربيّة، أو بفقه الشريعة ، قد يفهم من كلام المعصوم أو فعله عليه السلام ما هو خلاف مدلول قوله أو ملحوظ فعله وتقريره ، فينقله حسب ما فهمه.

1.راجع المحصول في علم الاُصول : ج۴ ص۴۳۴ .

2.بل الظاهر أنّ هذا القيد غير مقيِّد عند الاُستاذ، حيث قال فيما سنحكي من عبارته : «ولأجل ذلك يجب في القضاء بين الروايات المختلفة التعرّف على ثقافة الرجل، ومقدار تضلّعه في اللغة والحديث، ومدى ممارسته» .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 216261
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي