61
توضيح المقال في علم الّرجال

جمعوه في كتبهم من الأخبار ، وإنّما فيه ما يفيد أنّها معمول بها عندهم أو عند غيرهم ؛ لوضوح أعمّيّة العمل من العلم ، وكذا أخذ ما فيها من الاُصول المعتبرة .
وقد أشرنا إلى عدم كونها قطعيّةً بجميع ما فيها عند أربابها أيضاً ، فكيف بغيرهم ممّن عاصرهم!؟ وكيف بمن تأخّر عنهم!؟ فإنّ المرجعيّة والتعويل على شيء لا تقتضي إلاّ الحجّيّة والاعتبار ، وغايتهما إفادة الوثوق والاعتماد ، فأينَ ذلك من العلم؟وقد أشرنا في وجوه المختار إلى التزامهم بذكر أسانيد الأخبار تفصيلاً أو إجمالاً ، مع التعليل بالتحرّز عن خروج أخبارهم عن الإرسال ، فلو كانت علميّةً لم يفتقر إلى ذلك أصلاً ، ولبطل التعليل المزبور .
وأيضاً تراهم غير متّفقين في الجمع لما جمعوه ، فالكلينيّ ترك كثيراً ممّا نقله المتأخّر عنه وكذا المتأخّر عنه ، وزاد على ما جمعه السابق عليه حتّى بالنسبة إلى الكلينيّ والصدوق مع تقارب العصر ، والمنقول عن أحوالهم أنّهم كانوا يتعبون في جمع الأخبار ونقدها وتصحيحها ، ومَنْ هذا شأنه كيف يترك جملة من الأخبار العلميّة التي وافقه غيره عليها ويأتي بغيرها!؟
وأيضاً فالصدوق نرى اعتمد كثيراً على تصحيح وتضعيف شيخه ابن الوليد حتّى قال : «إنّ كلّ ما صحّحه شيخي فهو عندي صحيح» وذكر بعد استضعافه لرواية محمّد بن موسى الهمدانيّ : «أنّ كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحّته فهو عندنا متروك» ۱ انتهى .
وأيّ مدخل لذلك في الأخبار العلميّة؟ وكيف يستفاد من تصحيح الغير العلمُ بالصدور خصوصاً!؟ ومن الظاهر بل المعلوم أنّ تصحيح شيخه وتضعيفه كان بالاجتهاد في الرجال ، كما وقع التعليل في بعض ذلك ، وقد نصّوا في أحوال شيخه: «أنّه كان عارفاً بالرجال» ۲ وكيف يردّ الأخبار العلميّة بدعواه أخذها من الكتب المعوّل عليها بمجرّد تضعيف شيخه؟ .

1.. الفقيه ، ج ۲ ، ص ۵۵ باب صوم التطوّع ، خبر صلاة يوم الغدير .

2.. خلاصة الأقوال ، ص ۱۴۷ ، الرقم ۴۳ .


توضيح المقال في علم الّرجال
60

كما ترى ، مع أنّهم لم يدّعوا ذلك ، بل ادّعوا الصحّة ، وهي لاتلازم علم الصدور ، ويأتي الكلام في هذا بوجه أبسط وأوفى .
وأمّا إن اُريد به خصوص المشافه ، ففيه ـ بعد تسليم حصول العلم لنا باتّصافه بالصفات المزبورة من غير مراجعة إلى الرجال ـ : أنّ كتب أمثاله لم تصل إلينا .
مضافاً إلى اختلاف النَقَلَة في نقل جملة منها ، فذكر النجاشي في ابن عمير : «أنّ نوادره كثيرة ؛ لأنّ الرواة لها كثيرة» ۱ وفي محمّد بن عذافر : «له كتاب تختلف الرواة عنه» ۲ وغير ذلك .
وفي الثالث أنّه إجماع منقول ، غايته إفادة الظنّ ، والأخباريّة لايرون الاعتماد عليه ، مع أنّ المحتمل بل الظاهر إرادة مطلق الاتّفاق منه دون الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام ، فلا حجّيّة فيه ، فكيف بالقطع بمفاده!؟ على أنّ الظاهر إرادة الوثوق من الصحّة ، فإنّ المراد منها في اصطلاح القدماء باعتراف الجماعة ، فيكون المعنى أنّ مايصدر منه واثقاً به موثوق به عند المجمعين ، وأين هذا من العلم؟
وعلى فرضه فقد مرّ أنّ علم الغير ـ واحداً أو متعدّداً ـ لايوجب علمنا ، مضافاً إلى ما يأتي في بيان معنى العبارة وتعيين أشخاص المجمع عليهم ، فإنّ فيهما اختلافاً مخلاًّ بالعلم جدّاً ، مع أنّ معرفة ذلك كلّه بالرجال ، فكيف يستغنى به عنه!؟
وفي الرابع ـ بعد كثير ممّا مرّ ـ أنّ توثيق المعصوم عليه السلام لم يثبت أنّه مَبنيٌّ على غير الظاهر . سلّمنا ، لكنّه منقول إلينا بأخبار الآحاد غير المفيدة للعلم ، مع وقوع التعارض في كثير منها على ما يظهر من ملاحظة جمع الكشي رحمه الله وغيره ، بل منها يظهر أنّ وقوع التوثيق بسندٍ صحيح من غير معارضة مثله لم يقع إلاّ في حقّ نادر من الرجال ، وهذا على تسليمه لاينافي الافتقار في غيره .
وفي الخامس ـ بعد ما مرّ أيضاً ـ أنّه ليس في كلماتهم ما يدلّ على علمية جميع ما

1.. رجال النجاشي ، ص ۳۲۶ و ۳۲۷ ، الرقم ۸۸۷ .

2.. رجال النجاشي ، ص ۳۶۰ ، الرقم ۹۶۶ .

  • نام منبع :
    توضيح المقال في علم الّرجال
    المساعدون :
    مولوي، محمد حسين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1421 ق / 1375 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 84944
الصفحه من 344
طباعه  ارسل الي