285
جواهر الحكمة للشّباب

جواهر الحكمة للشّباب
284

3 / 25

عَدِيُّ بنُ حاتِم

عَدِيُّ بنُ حاتِم بنِ عَبدِ اللّه ِ الطّائِيُّ يُكَنّى أبا طَريف ، ابنُ سَخِيِّ العَرَب المَشهورِ حاتِمٍ الطّائِيِّ ، وأحَدُ الصَّحابَةِ .
تَوَلّى عَدِيٌّ رِئاسَةَ قَبيلَتِهِ ، وحَضَرَ عِندَ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله سَنَةَ (7 ه ) وأسلَمَ ، فَأَكرَمَهُ ورَعى حُرمَتَهُ .
ظَلَّ وَفِيّا لِلوِلايَةِ العَلَوِيَّةِ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وذادَ عَن حَريمِ الحَقِّ وَالوِلايَةِ .
شَهِدَ مَعَ أميرِ المُؤمِنين عليه السلام مَشاهِدَهُ . ولَمّا لَحِقَ أحَدُ أولادِهِ بِمُعاوِيَة ، بَرِئَ مِنهُ . وكَلِماتُهُ أمامَ مَساعيرِ الفِتنَةِ دَليلٌ عَلى وَعيهِ العَميقِ لِلحَوادِثِ ، وإدراكِهِ السَّليمِ لِمَوقِفِ الإِمامِ أميرِ المُؤمنين عليه السلام ، وثَباتِهِ عَلى صِراطِ الحَقِّ ، ومِن كَلِماتِهِ : «أيُّهَا النّاسُ ، إنَّهُ وَاللّه ِ لَو غَيرُ عَلِيٍّ دَعانا إلى قِتالِ أهلِ الصَّلاةِ ما أجَبناهُ ...» . ۱
اِختارَهُ الإِمامُ عليه السلام لِمُفاوَضَةِ العَدُوِّ في صِفّين بِسَبَبِ مَنطِقِهِ البَليغِ . قُتِلَ أحَدُ أولاِدِه في إحدى حُروبِ الإِمامِ ، كَما فَقَدَ إحدى عَينَيهِ . وكانَ مُعاوِيَة يُعَظِّمُهُ ويَرعى حُرمَتَهُ ، بَيدَ أ نَّهُ كانَ يَذكُرُ الإِمامَ عليه السلام في مُناسَباتٍ مُختَلِفَةٍ ويُثني عَلَيهِ . ولَم يَتَنازَل عَن مَوقِفِهِ الحَقِّ أمامَ مُعاوِيَة .
تُوُفِّيَ حَوالي سَنَةِ 68 ه . ولَهُ مِن العُمُرِ مِئَةٌ وعِشرونَ سَنَة . ۲
في كتاب المحاسن والمساوئ : إنَّ عَدِيَّ بنَ حاتِم دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ ابنِ أبي سُفيان ، فَقالَ : يا عَدِيُّ ، أينَ الطَّرَفاتُ ؟ يَعني بَنيهِ طَريفا وطارِفا وطُرفَةٌ.
قالَ : قُتِلوا يَومَ صِفّين بَينَ يَدَي عَلِيِّ بن أبي طالِب عليه السلام .
فَقال : ما أنصَفَكَ ابنَ أبي طالِب إذ قَدَّمَ بَنيكَ وأخَّرَ بَنيهِ !
قالَ : بَل ما أنصَفتُ أنَا عَلِيّا إذ قُتِلَ وبَقيتُ !
قالَ : صِف لِي عَلِيّا . فَقالَ : إن رَأَيتَ أن تُعفِيَني .
قالَ : لا اُعفيكَ .
قالَ : كانَ وَاللّه ِ بَعيدَ المَدى وشَديدَ القُوى ، يَقولُ عَدلاً ويَحكُم فَضلاً ، تَتَفَجَّرُ الحِكمَةُ مِن جَوانِبِهِ ، وَالعِلمُ مِن نوَاحيهِ ، يَستَوحِشُ مِنَ الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَستَأنِسُ بِاللَّيلِ ووَحشَتِهِ ، وكانَ وَاللّه ِ غَزيرَ الدَّمعَةِ طَويلَ الفِكرَةِ ، يُحاسِبُ نَفسَهُ إذا خَلا ، ويُقَلِّبُ كَفَّيهِ عَلى ما مَضى ، يُعجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ القَصيرُ ، ومِنَ المَعاشِ الخَشِنُ ، وكانَ فينا كَأَحَدِنا يُجيبُنا إذا سَأَلناهُ ويُدنينا إذا أتَيناهُ ، ونَحنُ مَعَ تَقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلِّمُهُ لِهَيبَتِهِ ، ولا نَرفَعُ أعيُنَنا إلَيهِ لِعَظَمَتِهِ ، فَإِن تَبَسَّمَ فَعَنِ اللُّؤلُوِ المَنظومِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدّينِ ، يَتَحَبَّبُ إلَى المَساكينِ ، لا يَخافُ القَوِيُّ ظُلمَهُ ، ولا يَيأَسُ الضَّعيفُ مِن عَدلِهِ .
فَاُقسِمُ ، لَقَد رَأَيتُهُ لَيلَةً وقَد مُثِّلَ في مِحرابِهِ ، وأرخَى اللَّيل سرباله وغارَت نُجومهُ ، ودُموعهُ تَتَحادَرُ عَلى لِحيَتِهِ وهُوَ يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ، ويَبكي بُكاءَ الحَزينِ ، فَكَأَ نّي الآنَ أسمَعُهُ وهُوَ يَقولُ : يا دُنيا أ إلَيَّ تَعَرَّضتِ أم إلَيَّ أقبَلتِ ؟ غُرّي غَيري ، لا حانَ حينُكِ ، قَد طَلَّقتُكِ ثَلاثا لا رَجعةَ لي فيكَ ، فَعَيشُكِ حَقيرٌ وخَطَرُكِ يَسيرٌ ، آه مِن قِلَّةِ الزّادِ وبُعدِ السَّفَرِ وقِلَّةِ الأَنيسِ !
قالَ : فَوَكَفَت عَينا مُعاوِيَة يُنَشِّفُهُما بِكُمِّهِ ، ثُمَّ قالَ : يَرحَمُ اللّه ُ أبَا الحَسَن ! كانَ كَذا فَكَيفَ صَبرُكَ عَنهُ ؟
قالَ : كَصَبرِ مَن ذُبِحَ وَلَدُها في حِجرِها ، فَهِيَ لا تَرقَأُ دَمعَتُها ولا تَسكُنُ عِبرَتُها .
قالَ : فَكَيفَ ذِكرُكَ لَهُ ؟
قالَ : وهَل يَترُكُنِي الدَّهرُ أن أنساهُ ! ۳

1.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۴۱ .

2.تاريخ بغداد : ج ۱ ص ۱۹۰ .

3.المحاسن والمساوئ : ص ۴۶ .

  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 185707
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي