263
جواهر الحكمة للشّباب

جواهر الحكمة للشّباب
262

3 / 8

جَعفَرُ بنُ أبي طالِب

هُوَ ابنُ عَمِّ رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وأخو عَلِيِّ بنِ أبي طالِب عليه السلام لِأَبَوَيهِ ، وكانَ أسَنَّ مِن عَلِيٍّ عليه السلام بِعَشرِ سِنينَ ، أسلَمَ بَعدَ إسلامِ أخيهِ عَلِيٍّ عليه السلامبِقَليلٍ.
رُوِيَ أنَّ أبا طالِب رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وعَلِيّا عليه السلام يُصَلِّيانِ ، وعَلِيٌّ عَن يَمينِهِ، فَقالَ لِجَعفَر عليه السلام : صَلِّ جَناحَ ابنِ عَمِّكَ ، وَصلِّ عَن يَسارِهِ .
وعَن عَلِيٍّ عليه السلام أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : «وأمّا أنتَ ـ يا جَعفَر ـ فَأَشبَهتَ خَلقي وخُلقي ، وأنتَ مِن عِترَتِيَ الَّتي أنَا مِنها».
وكانَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله يُسَمّيهِ أبَا المَساكين ، ولَهُ هِجرَتانِ : هِجرَةٌ إلَى الحَبَشَة ، وهِجرَةٌ إلَى المَدينَة .
بَعَثَهُ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله إلى مُؤتَة في جُمادى سَنَة ثَمانٍ ، فَلَمّا قُتِلَ زَيدُ بنُ حارِثَة ، أخَذَ الرّايَةَ فَقاتَلَ بِها حَتّى قُتِلَ.
ورُوِيَ أنَّ رَسولَ اللّه صلى الله عليه و آله لَمّا أتاهُ نَعيُ جَعفَر دَخَلَ عَلَى امرَأَتِهِ أسماءَ
بِنتِ عُمَيس ، فَعَزّاها فيهِ و دَخَلَت فاطِمَة عليهاالسلام وهِيَ تَبكي ، وتَقولُ : واعَمّاه ، فَقالَ رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله : عَلى مِثلِ جَعفَر فَلتَبكِ البَواكي . ودَخَلَهُ مِن ذلِكَ هَمٌّ شَديدٌ حَتّى أتاهُ جِبريل ، فَأَخبَرَهُ أنَّ اللّه َ قَد جَعَلَ لِجَعفَر جَناحَينِ مُضَرَّجَينِ بِالدَّمِ يَطيرُ بِهِما مَعَ المَلائِكَة.
كانَ عُمُرُهُ لَمّا قُتِلَ إحدى وأربَعينَ سَنَةً . ۱
ولَمَّا اشتَدَّت قُرَيش في أذى رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وأصحابِهِ الَّذينَ آمَنوا بِهِ بِمَكَّة قَبلَ الهِجرَةِ أمَرَهُم رَسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أن يَخرُجوا إلَى الحَبَشَة ، وأمَرَ جَعفَرَ بنَ أبي طالِب عليه السلامأن يَخرُجَ مَعَهُم ، فَخَرَجَ جَعفَر ومَعَهُ سَبعونَ رَجُلاً مِنَ المُسلِمين حَتّى رَكِبُوا البَحرَ ، فَلَمّا بَلَغَ قُرَيشا خُروجُهُم بَعَثوا عَمرَو بنَ العاص وعُمارَةَ بنَ الوَليد إلَى النَّجاشِيِّ لِيَرُدّوهُم ...فَوَرَدوا عَلَى النَّجاشِيِّ وقَد كانوا حَمَلوا إلَيهِ هَدايا فَقَبِلَها مِنهُم ، فَقالَ عَمرُو بنُ العاص : أيُّهَا المَلِكُ إنَّ قَوما مِنّا خالَفونا في دينِنا وسَبّوا آلِهَتَنا وصاروا إلَيكَ فَرُدَّهُم إلَينا ، فَبَعَثَ النَّجاشِيُّ إلى جَعفَر فَجاؤوا بِهِ ، فَقالَ يا جَعفَر ، ما يَقولُ هؤُلاءِ؟
فَقالَ جَعفَر : أيُّهَا المَلِكُ وما يَقولونَ ؟
قالَ : يَسأَلونَ أن أرُدَّكُم إلَيهِم .
قالَ : أيُّهَا المَلِكُ سَلهُم أعَبيدٌ نَحنُ لَهُم؟
فَقالَ عَمرٌو : لا ، بَل أحرارٌ كِرامٌ .
قالَ : فَسَلهُم ألَهُم عَلَينا دُيونٌ يُطالِبونَنا بِها .
قالَ : لا ما لَنا عَلَيكُم دُيونٌ .
قالَ : فَلَكُم في أعناقِنا دِماءٌ تُطالِبونَنا بِها .
قالَ عَمرٌو : لا .
قالَ : فَما تُريدونَ مِنّا آذَيتُمونا فَخَرَجنا مِن بِلادِكُم .
فَقالَ عَمرُو بنُ العاص : أيُّهَا المَلِكُ خالَفونا في دينِنا وسَبّوا آلِهَتَنا وأفسَدوا شَبابَنا وفَرَّقوا جَماعَتَنا ، فَرُدَّهُم إلَينا لِنَجمَعَ أمرَنا .
فَقالَ جَعفَر : نَعَم ، أيُّهَا المَلِكُ خالَفناهُم بِأَ نَّهُ بَعَثَ اللّه ُ فينا نَبِيّا أمَرَ بِخَلعِ الأَندادِ ، وتَركِ الاِستِقسامِ بِالأَزلامِ ، وأمَرَنا بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ، وحَرَّمَ الظُّلمَ وَالجَورَ ، وَسفكَ الدِّماءِ بِغَيرِ حَقِّها ، وَالزِّنا وَالرِّبا وَالميتَةَ وَالدَّمَ ، وأمَرَنا بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى ، ويَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ .
فَقالَ النَّجاشِيُّ : بِهذا بَعَثَ اللّه ُ عيسَى بنَ مَريَم عليه السلام ، ثُمَّ ، قالَ النَّجاشِيُّ : يا جَعفَر ، هَل تَحفَظُ مِمّا أنزَلَ اللّه ُ عَلى نَبِيِّكَ شَيئا؟
قالَ : نَعَم ، فَقَرَأَ عَلَيهِ سورَةَ مَريَمَ فَلَمّا بَلَغَ إلى قَولِهِ : «وَ هُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَـقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِى وَ اشْرَبِى وَ قَرِّى عَيْنًا»۲ .
فَلَمّا سَمِعَ النَّجاشِيُّ بِهذا بَكى بُكاءً شَديدا ، وقالَ : هذا وَاللّه ِ هُوَ الحَقُّ .
فَقالَ عَمرُو بنُ العاص : أيُّهَا المَلِكُ إنَّ هذا مُخالِفُنا فَرُدَّهُ إلَينا ، فَرَفَعَ النَّجاشِيُّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِها وَجهَ عَمرٍو ، ثُمَّ قالَ : اسكُت ، وَاللّه ِ يا هذا لَئِن ذَكَرتَهُ بِسوءٍ لَأَفقِدَنَّكَ نَفسَكَ ، فَقامَ عَمرُو بنُ العاص مِن عِندِهِ وَالدِّماءُ تَسيلُ عَلى وَجهِهِ ، وهُوَ يَقولُ إن كانَ هذا ، كَما تَقولُ أيُّهَا المَلِكُ فَإِنّا لا نَتَعَرَّضُ لَهُ . ۳

1.راجع اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۴۱ الرقم ۷۵۹ .

2.مريم : ۲۵ و ۲۶ .

3.تفسير القمّي : ج ۱ ص ۱۷۶ .

  • نام منبع :
    جواهر الحكمة للشّباب
    المساعدون :
    غلامعلي، احمد
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 185757
الصفحه من 366
طباعه  ارسل الي