59
مكاتيب الأئمّة ج3

الفصل الخامس : في وصاياه عليه السلام

16

وصيَّتُه عليه السلام إلى محمَّد بن الحنفيَّة

۰.محمَّد بن الحسن وعليُّ بن محمَّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمَّد بن سليمان الدَّيلمِيِّ ، عن بعض أصحابنا ، عن المُفَضَّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :لمَّا حضرت الحسن بن عليّ عليهماالسلام الوفاة ، قال :
يا قَنْبَرُ انظُر هَل تَرَى مِن وَراءِ بابِكَ مُؤمِناً مِن غَيرِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام؟
فَقالَ : اللّه ُ تَعالى وَرَسولُهُ وابنُ رَسولِهِ ، أَعلَمُ بهِ مِنِّي .
قال : ادْعُ لي مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ ۱ .
فَأَتَيْتُهُ ، فَلَمَّا دَخَلتُ عَلَيهِ ، قالَ :
هَل حَدَثَ إلاّ خَيرٌ؟
قُلتُ : أجِب أبا مُحَمَّدٍ ، فَعَجَّلَ عَلى شِسعِ نَعلِهِ ، فَلَم يُسوِّهِ .
وخَرَجَ مَعي يَعْدو ، فَلَمَّا قامَ بَينَ يَديهِ سَلَّمَ ، فَقالَ لَهُ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام :
اجلُس ؛ فَإنَّهُ لَيس مِثْلُكَ يَغيبُ عَن سَمَاعِ كَلامٍ ، يَحيا بِهِ الأَمواتُ ، وَيَموتُ بِهِ الأَحياءُ .
كونوا أَوعِيَةَ العِلمِ وَمَصابيحَ الهُدى ، فَإنَّ ضَوْءَ النَّهارِ ، بَعضُهُ أضْوأُ مِن بَعضٍ ، أ ما عَلِمتَ أنَّ اللّه َ جَعَلَ وُلدَ إبراهيمَ عليه السلام أئمَّةً ، وَفَضَّلَ بَعضَهم عَلى بَعضٍ ، وَآتى داودَ عليه السلام زَبور اً ، وَقَد عَلِمتَ بِما استأثرَ بِهِ مُحمَّداً صلى الله عليه و آله .
يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، إنِّي أخافُ عَلَيكَ الحَسَدَ ، وَإنَّما وَصَفَ اللّه ُ بِهِ الكافِرينَ ، فَقالَ اللّه ُ عز و جل : «كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ »۲ ، وَلَم يَجعَلِ اللّه ُ عز و جل لِلشَّيطانِ عَلَيكَ سُلطاناً .
يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، ألا أخبِرُكَ بِما سَمِعتُ مِن أبيكَ فيكَ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : سَمِعتُ أباكَ عليه السلام يَقولُ يوم البصرَةِ : مَن أحَبَّ أن يَبَرَّني في الدُّنيا وَالآخِرَةِ فَليَبَرَّ مُحمَّداً وَلَدي .
يا مُحمَّدُ بنَ عَليٍّ ، لَو شِئتَ أن أُخبِرَكَ وَأنتَ نُطْفَةٌ في ظَهر أبيكَ لَأخبَرتُكَ .
يا مُحمَّدُ بنَ عليٍّ ، أما عَلِمتَ أنَّ الحُسينَ بنَ عَليٍّ عليه السلام بَعدَ وَفاةِ نفسي ومُفارَقة روحي جِسمي إمامٌ مِن بَعدي ، وَعِندَ اللّه ِ جَلَّ اسمُهُ في الكِتابِ وِراثَةٌ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله أضافَها اللّه ُ عز و جل لَهُ في وِرَاثَةِ أبيه وَأُمِّهِ ، فَعَلِمَ اللّه ُ أنَّكُم خِيرَةُ خَلقِهِ ، فَاصطَفى مِنكُم مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ( صلى الله عليه و آله ) عَلِيّاً عليه السلام ، وَاختارَني عَليٌّ عليه السلام بِالإمامَةِ ، وَاختَرتُ أنا الحُسَينَ عليه السلام .
فَقالَ له محمَّدُ بنُ عَليٍّ : أنتَ إمامٌ ، وَأنتَ وَسيلَتي إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَاللّه ِ لَوَدَدتُ أنَّ نَفسي ذَهَبَت قَبلَ أن أسمَعَ مِنكَ هذا الكَلامَ .
ألا وَإنَّ في رَأسي كَلاماً لا تَنزِفُهُ الدِّلاءُ ، وَلا تُغيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّياحِ ، كَالكِتابِ المُعجَمِ في الرَّقِّ المُنَمنَمِ ، أهُمُّ بإِبدائِهِ ، فَأجِدُني سُبِقتُ إليه سَبقَ الكِتابِ المُنزَلِ ، أو ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ ، وَإنَّه لَكَلامٌ يَكِلُّ بِهِ لسانُ النَّاطِقِ ، وَيَدُ الكاتِبِ ، حَتَّى لا يَجِدَ قلَماً ، وَيُؤتوا بالقِرطاسِ حُمَماً ، فَلا يَبلُغُ إلى فَضلِكَ ، وكَذلِكَ يَجزي اللّه ُ المُحسِنينَ ، وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللّه ِ .
الحُسينُ أعلَمُنا عِلماً ، وَأثقَلُنا حِلماً ، وَأقرَبُنا مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَحِماً ، كانَ فَقيهاً قَبلَ أن يُخلَقَ ، وَقَرأ الوَحيَ قَبلَ أن يَنطِقَ ، وَلَو عَلِمَ اللّه ُ في أحَدٍ خَيراً ما اصطَفى مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، فَلمَّا اختارَ اللّه ُ مُحَمَّداً ، وَاختارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ، وَاختارَكَ عَليٌّ إماماً ، وَاختَرتَ الحُسينَ ، سَلَّمنا وَرَضِينا مَن هُوَ بِغَيرِهِ يَرضى ، وَمَن غيرُه كنَّا نَسلَمُ بِهِ مِن مُشكِلاتِ أمرِنا . ۳

1.محمّد بن الحنفيّة هو محمّد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام المعروف بابن الحنفيّة ، أبو القاسم أمّه خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنفيّة ، روى عن أبيه ، وروى عنه أولاده وجماعة ، مات سنة ثلاث وسبعين (راجع : شرح نهج البلاغة : ج ۱۹ ص ۳۶۶ ، الطبقات الكبرى : ج ۵ ص ۹۱ ، تاريخ مدينة دمشق : ج ۴۵ ص ۳۲۳) .

2.البقرة : ۱۰۹ .

3.الكافي : ج ۱ ص ۳۰۰ ح ۲.


مكاتيب الأئمّة ج3
58
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 59156
الصفحه من 340
طباعه  ارسل الي