23
مكاتيب الأئمّة ج3

فكتب إليه معاوية :
بسم اللّه الرحمن الرحيم
من عَبدِ اللّه أميرِ المُؤمِنينَ إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ :
سلامٌ علَيكَ ؛ فإنِّي أحمَدُ إليكَ اللّه َ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ .
أمَّا بعدُ ؛ فَقَد بلَغني كِتابُكَ ، وَفَهِمتُ ما ذَكَرتَ بهِ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنَ الفَضلِ ، وَهُوَ أحَقُّ الأوَّلينَ والآخِرينَ بالفَضْلِ كُلِّهِ قَديمهِ وحَديثِهِ ، صَغيرِهِ وَكبيرِهِ ، فَقَد وَاللّه ِ بَلَّغَ وَأَدَّى ، ونَصَحَ وَهَدى ؛ حَتَّى أنْقَذَ اللّه ُ بهِ مِنَ التَّهلُكَةِ ، وأَنارَ بهِ مِنَ العَمَى ، وَهَدَى بهِ مِنَ الضَّلالَةِ ، فَجزَاه اللّه ُ أفضَلَ ما جَزَى نَبِيّاً عَن أُمَّتِهِ ، وَصَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ ، وَيَومَ قُبِضَ ، وَيَومَ يُبْعَثُ حَيَّاً .
وَذَكرتَ وَفاةَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله وتَنازُعَ المُسلِمينَ مِن بَعدِهِ ، فرأيتُكَ صَرَّحتَ بِتُهمَةِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ، وَعُمَرَ الفاروقِ ، وَأبي عُبَيدَةَ الأمينِ ، وَحَوارِيِّ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، وَصُلَحاءِ المُهاجِرينَ وَالأنصارِ ، فَكَرِهتُ ذلِكَ لَكَ ، فَإنَّكَ امرِؤ عِندَنا وَعِندَ النَّاسِ غَيرُ ظنِينٍ ولا المُسِيء ، وَلا اللّئيمِ ، وَأنَا أحِبُّ لَكَ القَولَ السَّديدَ ، والذِّكرَ الجَميلَ .
إنَّ هذهِ الأمَّة لمَّا اختَلَفَت بَعدَ نبيِّها لَم تَجهَل فَضلَكُم وَلا سابِقَتَكُم ، ولا قَرابَتَكُم مِن النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، ولا مكانتكم فِي الإسلامِ وَأهلِهِ ، فَرأتِ الأُمَّةُ أنْ تُخرِجَ هذا الأمرَ
لِقُريشٍ لِمكانِها مِن نَبيِّها ، وَرَأى صُلَحاءُ النَّاسِ مِن قُرَيشٍ والأَنصارِ وَغَيرِهِم مِن سائِرِ النَّاسِ وعامَتِهِم أنْ يُوَلُّوا هذا الأمرَ ِمن قُرَيشٍ أَقدَمَها إسلاماً وَأعلَمَها باللّه ِ ، وأحبَّها لَهُ وَأَقواها عَلى أمرِ اللّه ِ ، واختاروا أبا بكرٍ ، وَكانَ ذلِكَ رَأيَ ذوي الحِجى والدِّينِ والفَضيلَةِ ، والنَّاظرين لِلأُمَّةِ ، فَأوقَعَ ذلِكَ في صُدورِكُم لَهُم التُّهمَةَ وَلَم يَكونوا بِمُتَّهَمينَ ، وَلا فيما أتَوا بِمُخطئينَ ، وَلَو رَأى المُسلِمونَ فِيكُم مَن يُغني غَناءَهُ ، أو يَقومُ مَقامَهُ ، أو يَذبُّ عَن حَريمِ المُسلِمينَ ذَبَّهُ ، ما عَدَلوا بذلِكَ الأَمرِ إلى غَيرِهِ رَغبَةً عَنهُ ، وَلكِنَّهُم عَمِلوا ۱ في ذلِكَ بِما رَأوهُ صَلاحاً للإسلامِ وأهلِهِ ، فاللّه ُ يَجزيهِم عَنِ الإسلامِ وَأهلِهِ خَيراً .
وَقَد فَهِمتُ الَّذي دَعَوتَنِي إليهِ مِنَ الصُّلحِ ، والحالُ فيما بَيني وَبَينَكَ اليومَ مِثلُ الحالِ الَّتي كُنتُم عَلَيها أنتم وَأبو بَكرٍ بَعدَ النّبي صلى الله عليه و آله ، ولو عَلِمتُ أنَّكَ أضبَطُ مِنِّي للرَعيَّةِ ، وأحوَطُ عَلى هذهِ الأُمَّةِ ، وَأحسَنُ سِياسَةً ، وَأقوى عَلى جَمعِ الأموالِ ، وَأكيَدُ للعَدُوِّ ، لَأَجبتُكَ إلى ما دَعَوتَني إليهِ ، وَرَأيتُكَ لِذلِكَ أَهلاً ، ولكنِّي قَد عَلِمتُ أنِّي أطوَلُ مِنكَ وِلايَةً ، وَأقدَمُ مِنكَ لِهذهِ الأُمَّةِ تَجرِبَةً ، وأكثَرُ مِنكَ سِياسَةً ، وأكبرُ مِنكَ سِنَّاً ، فَأنتَ أحَقُّ أن تُجيبَني إلى هذهِ المَنزِلَةِ الَّتي سَألتَني ، فَادخُل في طاعَتي ، وَلَكَ الأمرُ مِن بَعدي ، وَلَكَ ما في بَيتِ مالِ العراقِ مِن مالٍ بالِغاً ما بَلَغَ ، تَحمِلُهُ إلى حَيثُ أَحبَبتَ ، ولَكَ خَراجُ أيِّ كُوَرِ العِراقِ شِئتَ ؛ مَعونةً لَكَ على نَفَقَتكَ ، يَجيبها لكَ أمينُكَ ، ويَحمِلُها إليكَ في كُلِّ سَنَةٍ ؛ ولَكَ ألاَّ يستولى عَلَيكَ بالإساءَةِ ، ولا تُقضى دونَكَ الأُمورُ ، ولا تُعصى في أمر أَرَدت بهِ طاعَةَ اللّه ِ عز و جل . أعاننا اللّه ُ وإيَّاكَ عَلى طاعَتِهِ ، إنَّه سَميعٌ مُجيبُ الدُّعاءِ ، وَالسَّلامُ . ۲
أقول : الَّذي يقوى في النَّظر هو تعدُّدُ الكتَّابين لما بين مضمونيهما من الاختلاف ، وكذا بين جوابي معاوية اختلاف شديد ، وإنْ كان بينهما تشابه أيضاً ، هذا وإن نقلهما المعتزلي أحدهما برواية المدائنيّ والآخر برواية الإصبهانيّ ، وظاهرُ كلامه الاتِّحاد كما فهمه في معنى ذلك ، وظاهرُ كلمات الأعلام عَدا المعتزلي التَّعدّد أيضا ، كما أنَّ الإربلي رحمه اللهنقل الكتاب الأوَّل ، كما أسلفنا عنه ، وقال : وكان بينه وبين الحسن عليه السلام مكاتبات ، واحتجَّ عليه الحسن عليه السلام في استحقاقه الأمر وتوثُّبِ مَن تقدَّم على أبيه عليه السلام وابتزازه ۳ ؛ كأنَّه يشير إلى هذا الكتاب .

1.في شرح نهج البلاغة : «علموا» بدل «عملوا» .

2.مقاتل الطّالبيّين : ص ۶۴ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۳۳ نحوه ؛ بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۹.

3.كشف الغمّة : ج ۲ ص ۱۶۵ .


مكاتيب الأئمّة ج3
22

العجب من طلب معاوية أمرا ليس هو من أهله

۰.فَاليَومَ فَليَعجَبِ المُتَعَجِّبُ مِن تَوَثُّبِكَ يا مُعاوِيَةُ عَلى أمرٍ لَستَ مِن أهلِهِ ، لا بِفَضلٍ فِي الدِّينِ مَعروفٍ ، وَلا أثرٍ فِي الإسلامِ مَحمُودٍ ، وَأنتَ ابنُ حِزبٍ مِنَ الأحزابِ ، وَابنُ أَعدى قُرَيشٍ لِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَلَكِنَّ اللّه َ خَيَّبَكَ ، وَسَتَرِدُّ فَتَعلَمُ لِمَن عُقبى الدَّارِ ، وَتاللّه ِ لَتَلْقينَّ عَن قَليلٍ رَبَّكَ ، ثُمَّ لَيَجزِيَنَّكَ بِما قدَّمَت يَداكَ ، وما اللّه ُ بِظلاَّمٍ لِلعَبيدِ .

أحقيتهُ عليه السلام بالخلافة

۰.إنَّ عليَّاً ـ رِضوانُ اللّه ِ عَلَيهِ ـ لمَّا مَضى لِسبيلِهِ ـ رَحمَةُ اللّه ِ عَلَيهِ يَومَ قُبِضَ وَيَومَ مَنَّ اللّه ُ عَلَيهِ بالإسلامِ ، ويَومَ يُبْعَث حَيَّاً ـ ۱ وَلاَّني المُسلِمونَ الأمرَ بَعدَهُ ، فَأسألُ اللّه َ ألاَّ يَزيدَنا فِي الدُّنيا الزّائِلَةِ شَيئاً يُنقِصُنا بهِ فِي الآخرَةِ مِمَّا عِندَهُ مِن كرامَتِهِ ، وَإنَّما حَمَلَني عَلى الكِتابِ إليكَ الإعذارُ فيما بَيني وَبَينَ اللّه ِ سُبحانَهُ وَتعالى في أمرِكَ ، ولَكَ في ذلِكَ إنْ فَعَلتَ الحَظُّ الجَسيمُ ، ولِلمُسلِمينَ فيهِ صَلاحٌ ، فَدَعِ التّمادِيَ فِي الباطِلِ وادخُل فيما دَخَلَ فيهِ النَّاسُ مِن بَيعَتي ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ أنِّي أحَقُّ بِهذا الأمرِ مِنكَ عِندَ اللّه ِ وَعِندَ كُلِّ أوَّابٍ حَفيظٍ ، ومَن لَهُ قَلبٌ مُنِيبٌ .

حثُّ معاوية على التقوى

۰.وَاتَّقِ اللّه َ ، ودَعِ البغيَ ، واحْقِن دِماءَ المُسلِمينَ ، فَوَاللّه ِ ما لَكَ مِن خَيرٍ في أنْ تَلقى
اللّه َ مِن دِمائِهِم بِأكثَرَ مِمَّا أنتَ لاقِيهِ بهِ ، فادخُل في السِّلم وَالطَّاعَةِ ، ولا تُنازِعِ الأمرَ أهلَهُ ، ومَن هُو أحَقُّ بهِ مِنكَ ، لِيُطفِئَ اللّه ُ النَّائِرَةَ ۲ بِذلِكَ ، وَتَجمَعُ الكَلِمَةَ ، وَتُصلِحُ ذاتَ البَيْنِ ، وَإِن أَنتَ أبَيتَ إلاَّ التَّمادِيَ في غَيِّكَ نَهَدتُ ۳ إِلَيكَ بالمُسلِمينَ فَحاكَمتُكَ ، حَتَّى يَحكُمَ اللّه ُ بَينَنا ، وَهُوَ خَيرُ الحاكِمينَ .

1.كذا في المصدر .

2.النّائرة : العداواة والشّحناء .

3.في شرح نهج البلاغة : «سرت» بدل «نهدت» .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 59120
الصفحه من 340
طباعه  ارسل الي