169
مكاتيب الأئمّة ج3

مكاتيب الأئمّة ج3
168

التّرغيب في الخير والتّرهيب والتّحذير من الغَفلة :

۰.فمَنْ كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذهِ الدُّنيا مِثقالَ ذرَّةٍ مِن خَيرٍ وَجَدَهُ ، ومَن كانَ مِنَ المؤمِنينَ عَمِلَ في هذه الدُّنيا مِثقالَ ذَرَّةٍ مِن شَرٍّ وَجَدَهُ ، فاحْذَروا أيُّها النَّاسُ مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي ما قَد نَهاكُمُ اللّه ُ عَنها ، وَحذَّرَكُموها في كِتابِهِ الصَّادِقِ والبَيانِ النَّاطِقِ ، ولا تَأْمَنوا مَكْرَ اللّه ِ وَتحذيرَهُ وَتهديدَهُ عِندَ ما يَدعوكُم الشَّيطانُ اللَّعينُ إلَيهِ مِن عاجِلِ الشَّهَواتِ واللَّذَّاتِ في هذه الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ »۱ ، وأشْعِروا قُلوبَكُم خَوْفَ اللّه ِ ، وتَذكَّروا ما قَد وَعَدَكُمُ اللّه ُ في مَرجِعِكُم إليه مِن حُسْنِ ثَوابِهِ ، كما قَد خَوَّفَكُم مِن شَديدِ العِقابِ ، فإنَّه مَن خافَ شَيئاً حَذِرَهُ ، ومَن حذِرَ شيئاً تَرَكَهُ .
ولا تكونوا من الغافِلينَ المائِلينَ إلى زَهْرَةِ الدُّنيا الَّذينَ مَكَروا السَّيِّئاتِ فَإنَّ اللّه َ يَقولُ في مُحْكَمِ كِتابِهِ : «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّـئاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ »۲ ، فاحْذَروا ما حَذَّرَكُمُ اللّه ُ بِما فَعَلَ بالظَّلَمَةِ في كِتابِهِ ، ولا تَأْمَنوا أنْ يَنزِلَ بِكُم بَعضُ ما تَواعَدَ بِهِ القَومَ الظَّالِمينَ في الكِتابِ .

في ذمّ الرّكون إلى الدّنيا :

۰.واللّه ِ ، لَقد وَعظَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ بِغَيرِكُم ، فَإنَّ السَّعيدَ مَن وُعِظ بِغَيرِهِ ، وَلَقَد أسْمَعَكُمُ اللّه ُ في كِتابِهِ ما قَد فَعَلَ بالقَومِ الظَّالمينَ مِن أهلِ القُرَى قَبلَكُم ، حَيثُ قالَ : «وَ كَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً» وإنَّما عَنى بالقَريَةِ أهلَها حَيثُ يقول : «وَ أَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ» ، فقال عز و جل : «فَلَمَّآ أحَسُّوا بَأْسَنَآ إِذَا هُم مِنْهَا يَرْكُضُونَ » ، يعنِي يَهْربونَ ، قالَ : «لاَ تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسألُونَ » ،
فلمَّا أتاهُمُ العَذابُ «قَالُوا يَاوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فما زالَت تِلْكَ دَعْويهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ »۳ .
وَأيْمُ اللّه ِ ، إنَّ هذهِ عِظَةٌ لَكُم وتَخوِيفٌ ، إن اتَّعظْتُم وخِفْتُم ، ثُمَّ رَجَعَ القَولُ مِنَ اللّه ِ في الكِتابِ على أهلِ المَعاصي وَالذُّنوبِ ، فَقَالَ عز و جل : «وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ ياوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ »۴ .
فإنْ قُلتُم أيُّها النَّاسُ : إنَّ اللّه عز و جل إنَّما عنَى بهذا أهلَ الشِّركِ ، فَكَيفَ ذلِكَ وهُوَ يَقولُ : «وَ نَضَعُ الْمَوَ ازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلاَ تُظْـلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَاسِبِينَ »۵ .
اعلَموا عِبادَ اللّه ِ ، أنَّ أهلَ الشِّركِ لا يُنْصَبُ لهُمُ المَوازينُ ، ولا يُنْشَرُ لهمُ الدَّواوينُ ، وإنَّما يُحشَرونَ إلى جَهَنَّمَ زُمَراً ، وإنَّما نَصْبُ المَوازينِ ونَشْرُ الدَّواوينِ لِأهلِ الإسلامِ .
فَاتَّقوا اللّه َ عِبادَ اللّه ِ ، واعلَموا أنَّ اللّه َ عز و جل لَم يُحِبَّ زَهْرةَ الدُّنيا وعاجِلَها لِأحدٍ مِن أوليائِهِ ، ولم يُرَغِّبْهُم فيها وَفي عاجِلِ زهْرتِها وَظاهِر بَهْجَتِها ، وإنَّما خَلَقَ الدُّنيا وخلَقَ أهلَها لِيبْلُوَهُم فيها أيُّهُم أحسنُ عَمَلاً لآخِرَتِهِ .
وأيْمُ اللّه ِ ، لقَد ضَرَبَ لَكُم فيهِ الأمثالَ وصرَّفَ الآياتِ لِقومٍ يعقِلونَ ، ولا قوَّةَ إلاّ باللّه ِ .
فازهَدوا فيما زَهَّدَكُم اللّه ُ عز و جل فيه مِن عاجِلِ الحَياةِ الدُّنيا ، فإنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ وقَولُهُ الحقُّ : «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِمِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »۶ .
فكونوا عِبادَ اللّه ِ مِنَ القَومِ الَّذين يَتَفَكَّرونَ ، ولا تَرْكَنوا إلى الدُّنيا ، فإنَّ اللّه عز و جل قالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَـلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »۷ ، ولا تَركَنوا إلى زَهْرةِ الدُّنيا وما فيها ، رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَها دارَ قَرارٍ ومنزِلَ اسْتِيطانٍ ، فإنَّها دارُ بُلْغَةٍ ، ومَنزِلُ قُلْعَةٍ ، ودارُ عَمَلٍ .
فتزَوَّدوا الأعمالَ الصَّالِحَةَ فيها قَبلَ تَفَرُّقِ أيَّامِها ، وقَبلَ الإذْنِ مِنَ اللّه ِ في خَرابِها ، فكأن قَد أخْرَبَها الَّذي عَمَرَها أوَّلَ مَرَّةٍ وابْتدَأها ، وهُو وَلِيُّ ميراثِها ، فأسألُ اللّه َ العَوْنَ لَنا ولَكُم على تزَوُّدِ التَّقوى ، والزُّهْدِ فيها ، جَعَلَنا اللّه ُ وإيَّاكُم مِنَ الزَّاهِدينَ في عاجِلِ زَهْرةِ الحَياةِ الدُّنيا ، الرَّاغبينَ لآجِلِ ثَوابِ الآخِرَةِ ، فإنَّما نَحنُ بِهِ ولَهُ وَصَلَّى اللّه ُ على مُحَمَّدٍ النَّبيِّ وَآلِهِ وسَلَّمَ ؛ والسَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . ۸

1.الأعراف : ۲۰۱ .

2.النحل : ۴۵ إلى ۴۷ .

3.الأنبياء : ۱۱ ـ ۱۵ .

4.الأنبياء : ۴۶ .

5.الأنبياء : ۴۷ .

6.يونس : ۲۴ .

7.هود : ۱۱۳ .

8.الكافي : ج ۸ ص ۷۲ ح ۲۹ ، الأمالي للصدوق : ص ۵۹۳ ح ۸۲۲ ، تحف العقول : ص ۲۴۹ كلاهما نحوه ، بحارالأنوار : ج ۶ ص ۲۲۳ ح ۲۴ و ج ۷۸ ص ۱۴۳ ح ۶ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج3
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 59123
الصفحه من 340
طباعه  ارسل الي