33
مكاتيب الأئمّة ج2

مكاتيب الأئمّة ج2
32

كتابه عليه السلام إلى قَرَظة

۰.فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام :« أمّا بَعْدُ ؛ فَقَدْ فَهِمْتُ ما ذَكَرْتَ مِنْ أمْرِ العِصابَةِ الَّتي مَرَّت بِعَمَلِكَ ، فَقَتلَتِ البَرَّ المُسلِمَ ، وأَمِنَ عِندَهُم المُخالِفُ المُشرِكُ ؛ وإنَّ أُولئِكَ قَوْمٌ استَهْواهُمُ الشَّيْطانُ فَضَلُّوا ، كالَّذِين حَسِبُوا ألاَّ تَكونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا ، فأَسمِعْ بِهِم وأَبْصِرْ يَوْمَ تُخْبَرُ أعْمالُهُم ! فَالزَمْ عَملكَ وأَقبِلْ علَى خَراجِكَ ؛ فَإنَّكَ كَما ذَكرْتَ فِي طاعَتِكَ ونَصيحَتِكَ ، والسَّلامُ » .

[ أقول : كان قَرَظَةُ بن كَعْب ، كاتب عليٍّ عليه السلام على عين التَّمر ، لجباية الخَراج ، وكان قبلها عاملاً له عليه السلام على الكوفة ، وسيأتي كتابه عليه السلام إليه بعد فتح البصرة ، وكان قبلها عاملاً له على البِهقُباذَات . ]قال :
فكتب عليّ عليه السلام إلى زياد بن خَصفة مع عبد اللّه بن وائل التَّيميّ كتابا نسخته : « أمَّا بَعدُ ؛ فَقَدْ كُنْتُ أمَرْتُكَ أنْ تنزِلَ دَيْرَ أبي مُوسى حَتَّى يأتِيَكَ أَمرِي ، وذلِكَ أنّي لَمْ أكُنْ عَلِمْتُ أيْنَ تَوَجَّهَ القَوْمُ ، وَقَدْ بَلَغَنِي أنَّهُم أخَذُوا نَحْوَ قَرْيَةٍ مِن قُرى السَّوادِ ، فاتَّبِعْ آثارَهُم ، وسَلْ عَنْهُم ؛ فَإنَّهم قد قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ أهْلِ السَّوادِ مُسْلِما مُصَلِّيا ، فَإذا أنْتَ لَحِقْتَ بِهِم فَاردُدْهُم إليَّ ، فَإنْ أبَوا فَناجِزْهُم ، واستَعِنْ باللّه ِ عَلَيْهِم ؛ فَإنَّهُم قَدْ فارَقُوا الحَقَّ ، وَسَفكُوا الدَّمَ الحَرامَ ، وأَخافُوا السَّبِيلَ ،والسَّلامُ » .
قال عبد اللّه بن وأل : فأخذت الكتاب منه عليه السلام ـ وأنا يومئذ شابّ ـ فمضيت به غير بعيد ثُمَّ رجعت إليه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا أمضي مع زياد بن خصفة إلى عدوّك ، إذا دفعت إليه كتابك ؟
فقال : « يابنَ أخِي ، افعَلْ ، فو اللّه ِ إنِّي لأَرجُو أنْ تَكونَ مِن أعوانِي علَى الحَقِّ وأنصاري علَى القوْمِ الظَّالِمينَ » .
قال : فو اللّه ما أُحِبُّ أنَّ لي بمقالته تلك حُمر النِّعَم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، أنا واللّه كذلك من أُولئك ؛ أنا واللّه حيثُ تُحِبُّ . ۱
ثُمَّ مضيت إلى زياد بكتاب عليٍّ عليه السلام ـ ثُمَّ ساق الحديث إلى أن قال : فدعونا أصحابنا ، ودعا الخِرِّيتُ أصحابه ، ثُمَّ اقتتلنا ؛ فواللّه ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني اللّه ، لقد تطاعَنّا بالرِّماح حَتَّى لم يبق في أيدينا رمح ، ثُمَّ اضطربنا بالسيوف حتى انحنت ، وعُقِرَت عامَّةُ خَيْلِنا وخَيْلِهم ، وكثرت الجِراح فيما بيننا وبينهم . . .ثُمَّ مضوا فذهبوا وأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا ؛ فواللّه ، ما كرهنا ذلك ؛ فمضينا حَتَّى أتينا البصرة ، وبلغنا أنَّهم أتوا الأهواز ، فنزلوا في جانب منها ، وتلاحق بهم ناس
من أصحابهم نحو مئتين كانوا معهم بالكوفة ، لم يكن لهم من القوَّة ما ينهضون به معهم حين نهضوا ؛ فاتَّبعوهم من بعد لحوقهم بالأهواز ، فأقاموا معهم .
قال : وكتب زياد بن خَصفة إلى عليّ عليه السلام ( الخبر ) .
فلمّا أتاه الكتاب قرأه على النَّاس ، فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس الرِّياحي ، فقال : أصلحك اللّه يا أمير المؤمنين إنَّما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الَّذِين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين ، فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم ۲ ، وقطعوا دابرهم ، فأمّا أن تلقاهم بأعدادهم ؛ فلعمري ليصبرنَّ لهم ، فإنَّهم قوم عرب ، والعُدَّة تصبر للعدَّة ، فيقاتلون كلَّ القتال .
قال : فقال عليه السلام له : « تَجَهَّز يا مَعْقِل إليْهمِ » ، ونَدَب معه ألفين من أهل الكوفة ، فيهم يزيد بن مَعْقِل .
وكتب إلى عبد اللّه بن العبَّاس بالبصرة :
« أمَّا بعدُ ؛ فابعث رجلاً من قِبَلِكَ صلِيبا شُجاعا ، مَعرُوفا بالصَّلاحِ ، في ألفي رَجُلٍ مِنْ أهْلِ البَصرَةِ ، فَلْيَتْبَع مَعْقِلَ بن قَيْسٍ ؛ فَإذا خَرَج من أرض البَصْرَةِ ، فَهُو أميرُ أصحابِهِ حَتَّى يَلْقَى مَعْقِلاً ؛ فإذا لَقِيَهُ فَمَعْقِلٌ أميرُ الفَرِيقَينِ ، فَلْيَسْمَعْ مِنْهُ ولْيُطِعْهُ ولا يُخالِفْهُ ؛ ومُرْ زِيادَ بنَ خَصَفَةَ فَلْيُقْبِلْ إِليْنا ، فَنِعْمَ المَرءُ زِيادٌ ؛ ونِعْمَ القَبِيلُ قَبيلُهُ ! والسَّلامُ » .

[ أقول : فجهَّز ابن عبَّاس جيشا ، توجَّه إلى مَعْقِل خالد بن معدان الطَّائيّ في ألفي رجل ، وكتب إليه ما يأتي ] قال :
وكتب عليه السلام إلى زياد بن خصفة :
« أمَّا بعدُ ؛ فقد بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت به النَّاجيّ وأصحاب ،« الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ »۳،« وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـنُ أَعْمَــلَهُمْ »۴؛ فهم حَيَارى عَمُون ،« يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا »۵؛ ووصفْت ما بلغ بك وبهم الأمر ؛ فأمّا أنت وأصحابك فللّه سعيكم وعليه جزاؤهم ! وأيسر ثواب اللّه للمؤمن خير له من الدُّنيا الَّتي يُقْبل الجاهلون بأنفسهم عليها ، ف« مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ »۶، وأمّا عدوَّكم الَّذِين لَقِيتُم فحسبهم خروجهم من الهدى ، وارتكاسُهم في الضَلالة ، وردُّهم الحقَّ ، وجماحهم في التِيه ، فذرهم وما يفترون ، ودعهم في طغيانهم يعمهون ، فأسمِع بهم وأبصر ؛ فكأنَّك بهم عن قليل بين أسير وقتيل ، فأقبِل إلينا أنت وأصحابك مأجورين ، فقد أطعتم وسمعتم ، وأحسنتم البلاء ، والسَّلام » .

قال : ونزل النَّاجيّ جانبا من الأهواز ، واجتمع إليه علوج كثير من أهلها ؛ ممّن أراد كسر الخَراج ومن اللُّصوص ، وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه .
قال : إبراهيم بن هلال : فحدثنا مُحَمَّد بن عبد اللّه ، قال : حدَّثني ابن أبي سيف ، عن الحارث بن كَعْب ، عن عبد اللّه بن قُعَين ، قال : كنت أنا وأخي كَعْب بن قُعَين في ذلك الجيش مع مَعْقِل بن قَيْس ، فلمَّا أراد الخروج أتى أمير المؤمنين عليه السلام يودّعه ، فقال :
« يا مَعْقِل بن قَيْس اتّق اللّه ما استطعت ؛ فإنَّه وصية اللّه للمؤمنين ؛ لا تبغ علىأهل القبلة ، ولا تَظلِم أهل الذِّمة ولا تتكبّر ؛ فإن اللّه لا يحبُّ المتكبّرين » .
فقال : معقل اللّه المستعان ، فقال :« خير مستعان » .
ثُمَّ قام فخرج ، وخرجنا معه ؛ حَتَّى نزل الأهواز ، فأقمنا ننتظر بعْث البصرة ، فأبطأ علينا ، فقام مَعْقِل فقال : أيُّها النَّاس ؛ إنَّا قد انتظرنا أهل البصرة ، وقد أبطئوا علينا ، وليس بنا بحمد اللّه قِلّة ولا وحشة إلى النَّاس ؛ فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذَّليل ؛ فإنّي أرجو أن ينصرَكم اللّه ويهلكهم .
فقام إليه أخي كَعْب بن قُعَين فقال : أصبت إن شاء اللّه رأينا رأيك ، وإنّي لأرجو أن ينصرنا اللّه عليهم ؛ وإن كانت الأخرى ؛ فإنَّ في الموت على الحقّ لتعزيةً عن الدُّنيا . فقال : سيروا على بركة اللّه . فسرنا ، فو اللّه ما زال مَعْقِل بن قَيْس لي ولأخي مكرِما وادّا ، ما يعدِل بنا أحدا من الجند ، ولا يزال يقول لأخي : كيف قلت : إن في الموت على الحقّ لتعزية عن الدُّنيا ! صدقت واللّه وأحسنت ، ووفقت وفقك اللّه ! قال : فو اللّه ما سِرنا يوما ؛ وإذا بفيْج يشتدّ بصحيفة في يده .
من عبد اللّه بن عبَّاس إلى مَعْقِل بن قَيْس :
أمَّا بعدُ ؛ فإن أدركك رسولي بالمكان الَّذي كنت مقيما به ، أو أدركك وقد شَخَصْت منه ؛ فلا تبرحَنّ من المكان الَّذي ينتهي إليك رسولي وأنت فيه ، حَتَّى يقدَم عليك بعثنا الَّذي وجَّهناه إليك ، فقد وجَّهت إليك خالد بن معدان الطَّائيّ ، وهو من أهل الدين والصَّلاح والنَّجدة ، فاسمع منه وأعرِف ذلك له إن شاء اللّه ، والسَّلام .
قال : فقرأه مَعْقِل بن قَيْس على أصحابه . فسرُّوا به ، وحمِدوا اللّه ، وقد كان ذلك الوجه هَالَهم . وأقمنا حَتَّى قدِم علينا خالد بن معدان الطَّائيّ ، وجاءنا حَتَّى دخل
على صاحبنا ، فسلّم عليه بالإمْرة ، واجتمعنا جميعا في عسكر واحد ، ثُمَّ خرجنا إلى النَّاجيّ وأصحابه ، فأخذوا يرتفعون نحو جِبال رامهُرْمُز ، يريدون قلعة حَصِينة ، وجاءنا أهل البلد . فأخبرونا بذلك ، فخرجنا في آثارهم فلحقناهم . . .
قال : وسار فينا مَعْقِل يحرّضنا ، ويقول : يا عباد اللّه ، لا تبدءوا القوم ، وغُضُّوا الأبصار ، وأقلّوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على الطَّعن والضَّرب ، وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم ، إنَّما تقاتلون مارقةً مرَقتْ وعلُوجا منعوا الخَراج ، ولصوصا وأكرادا فما تنتظرون ! فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد .
قال : فمرَّ في الصَّفّ يكلّمهم ، يقول هذه المقالة ، حَتَّى إذا مرَّ بالنَّاس كلّهم أقبل فوقف وسط الصَّفّ في القلب ، ونظرنا إليه ما يصنع ، فحرّك رأسَه تحريكتين ، ثُمَّ حمَل في الثَّالثة ؛ وحَمَلنا معه جميعا ، فو اللّه ما صبروا لنا ساعة حَتَّى ولّوا وانهزموا ، وقتلنا سبعين عربيَّا من بني ناجية ، ومن بعض من اتّبعه من العرب ، ونحو ثلاثمئة من العُلوج والأكراد .
قال : كَعْب ونظرت ، فإذا صديقي مدرك بن الرّيان قتيلا ، وخرج الخِرّيت منهزما ، حَتَّى لحق بسيف من أسياف البحر ؛ وبها جَماعة من قومه كثير ، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف عليّ عليه السلام ، ويزيّن لهم فِراقه ، ويخبرهم أن الهدى في حربه ومخالفته ، حَتَّى اتّبعه منهم ناس كثير .
وأقام مَعْقِل بن قَيْس بأرض الأهواز ، وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام بالفتح ، وكنت أنا الَّذي قدِم بالكتاب عليه ، وكان في الكتاب :
لعبد اللّه عليّ أمير المؤمنين ، من مَعْقِل بن قَيْس سلام . عليك فإنّي أَحمَد إليك اللّه الَّذي لا إله إلاَّ هو . أمَّا بعدُ ؛ فإنَّا لقِينا المارقين ؛ وقد استظهروا علينا بالمشركين ؛ فقتلنا منهم ناسا كثيرا ولم نَعْد فيهم سيرتك فلم نقتل منهم مُدبِرا ولا أسيرا ؛ ولم
نُذَفِّف منهم على جريح ، وقد نصرك اللّه والمسلمين ، والحمد للّه ربّ العالمين .
قال : فلمَّا قدمت بالكتاب على عليّ عليه السلام ، قرأه على أصحابه واستشارهم في الرَّأي ، فاجتمع رأي عامّتهم على قول واحد . قالوا : نرى أن تكتب إلى مَعْقِل بن قَيْس ؛ يتبع آثارهم ، ولا يزال في طلبهم حَتَّى يقتلَهم أو ينفيَهم من أرض الإسلام ؛ فإنّا لا نأمن أن يفسدوا عليك النَّاس .
قال : فردّني إليه ، وكتب معي :

1.وفي انساب الأشراف : فكتب عليّ عليه السلام إلى أبي موسى ، ثُمَّ نقل ما يقرب هذا الكتاب ، ثُمَّ قال : ويقال : انَّ عليَّا لم يكتب إلى أبي موسى في هذا بشيء . ( أنساب الأشرا ف : ج۳ ص۱۷۸ ) . أقول : هذا باطل قطعا ، لأنّ عليَّا عليه السلام عزل أبا موسى قبل حرب الجمل ، وهو معلوم .

2.الشَّأفة في الأصل : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب ؛ وإذا قطعت مات صاحبها ؛ وقولهم : استأصل اللّه شأفته ؛ أي أذهبه كما تذهب القرحة ، ومعناه أزاله من أصله .

3.النحل : ۱۰۸ .

4.النمل : ۲۴ .

5.الكهف : ۱۰۴ .

6.النحل : ۹۶ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 71954
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي