347
مكاتيب الأئمّة ج1

لمّا فتح اللّه لأمير المؤمنين عليه السلام البصرة ، وقفل إلى الكوفة ، شاور أصحابه في أمر معاوية ، وتكلّم فيه أصحابه الكرام وعزموا على المسير ، كتب عليه السلام إلى مِخْنَف وسائر عمّاله هذا الكتاب .
نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سَعْد ، عن إسماعيل بن يزيد والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرَّحمن بن عبيد بن أبي الكَنُود ، قال : لمّا أراد عليّ المسير إلى أهل الشَّام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد اللّه وأثنى عليه وقال :
« أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّكم مَيامِينُ الرَّأي ، مَراجِيحُ الحِلْمِ ، مَقاوِيلُ بِالحَقِّ ، مُبارَكو الفِعلِ والأمْرِ . وقد أردنا المَسيرَ إلى عَدوِّنا وعَدُوِّكم ، فأشيروا علَينا برَأْيِكُم ».
فقام هاشم بن عُتْبَة بن أبي وَقَّاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ، ثُمَّ قال : أمَّا بَعدُ ؛ يا أميرَ المونين ، فأنا بالقومِ جِدُّ خَبير ، هم لَكَ ولِأشياعِكَ أعداءٌ ، وهُم لِمَن يَطلُبُ حَرثَ الدُّنيا أولياءُ ، وَهُم مُقاتِلُوكَ ومُجاهِدُوكَ لا يُبقونَ جَهْدا مَشاحَّةً على الدُّنيا وضَنّا بِما في أيدِيهم مِنها ، وليس لَهُم إربَةٌ غَيرَها إلاَّ ما يَخدعُونَ بهِ الجُهَّالَ مِنَ الطَّلبِ بِدَمِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ ، كَذِبوا ليسوا بِدَمِهِ يَثأرونَ ، ولكِنَّ الدُّنيا يَطلُبونَ ، فَسِرْ بنا إليهِم ، فَإنْ أجابُوا إلى الحَقِّ فَليسَ بَعدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ ، وإنْ أبَوا إلاّ الشِّقاقَ فذلِكَ الظَّنُّ بِهِم ، واللّه ِ ، ما أراهُم يُبايِعونَ وفيهِم أحَدٌ مِمَّنْ يُطاعُ إذا نَهى ولا يُسمَعُ إذا أمرَ . ۱
] ثُمَّ تكلّم بعده عَمَّار ، وقَيْس بن سَعْد بن عُبادَة ، وسَهْلُ بنُ حُنَيْف ٍ ، والأشْتَرُ مالِكُ بنُ الحارِث ِ ، ومَعْقِلُ بنُ قَيْسٍ اليَرْبُوعي ّ ، ثُمَّ الرِّياحي ُّ ، وعَدِيّ بنُ حاتَم ٍ الطَّائيّ ، وأبو زينب بنُ عَوْف ، ويَزيد بن قَيْس ، وزياد بن النَّضْر ، وزَيْد بن حُصَيْن الطَّائي ّ ، وعبدُ اللّه بن بُدَيْل بن وَرْقاء الخُزاعِي ّ ، وحُجْر بن عَدِي ّ ، وعَمْرو بن الحَمِق ، كلّهم يظهرون الطَّاعة والنَّصيحة ، وأنَّهم سِلْمٌ لمَن سَالَمه ، وحَرب لمَن حارَبه ، وإن اختلفوا في التَّعجيل في الحرب والتَّأنِّي والمكاتبة وإتمام الحُجَّة ، والَّذي أشار بالتأنِّي وإتمامِ الحُجَّةِ هو عَدِيُّ بنُ حاتم ، وكُلٌّ يتكلّم ويردّ على من يُخالِفهُ . ]
فقال عليّ عليه السلام : « الطَّرِيقُ مُشترَكٌ ، والنَّاسُ في الحَقِّ سَواءٌ ، ومَن اجتهَدَ رأيهُ في نَصيحَةِ العامّةِ فَلهُ ما نوى وقَدْ قَضى ما علَيهِ » .
[ وجاء جمع متّهمون بأنَّهم يكاتبون معاوية بن أبي سُفْيَان ، كعبد اللّه بن المُعْتم ّ العَبْسِيّ وحَنْظَلَة بن الرَّبيع التَّميمي ّ ، وتكلّما وأظهرا أنَّ الصَّلاح في ترك حرب
معاوية ، أو في الحرب مع عدم العجلة . ] فقام إليه مَعْقِل بن قَيْس اليَرْبُوعي ّ ، ثُمَّ الرِّياحي ، فقال : يا أمير المونين ، إنَّ هؤلاء واللّه ، ما أتوك بنصح ولا دخلوا عليك إلاَّ بغشّ ، فاحذرهم فإنَّهم أدنى العدوّ .
فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المونين ، إنَّه بلغني أنَّ حَنْظَلَة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حَتَّى تنقضي غزاتك ثُمَّ تنصرف .
وقام إلى عليّ عليه السلام عَيَّاش بن رَبيعة ، وقائد بن بُكَيْر العَبْسيان ، فقالا : ياأمير المونين ، إنَّ صاحبنا عبد اللّه بن المُعْتمّ قد بلغنا أنّه يكاتب معاوية فاحبسه ، أو أمكنّا منه نحبسه حَتَّى تنقضي غزاتك ، وتنصرف .
فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم ، وأشار عليكم بالرَّأي فيما بينكم وبين عدوّكم .
فقال لهما عليّ عليه السلام : « اللّه ُ بيني وبينَكُم ، وإليهِ أَكِلُكُم ، وبهِ أستَظهِرُ عليكُم ، اذهَبُوا حَيثُ شِئتُم » .
[ فهربا إلى معاوية . . . ] ۲
[ فلمّا تمَّت المشاورة ، وعزم أمير المؤمنين عليه السلام على المسير إلى قتال أهل الشَّام ، كتب إلى عمّاله كُتبا ، ومنها ما كتب إلى مِخْنَف بن سُلَيْم الأزْدِيّ ، وهو هذا الكتاب . ] قال نصر : وكتب إلى أمراء أعماله كلّهم بنحو ما كتب به إلى مِخْنَف بن سُلَيْم ،
وأقام ينتظرهم . ۳
وقال أبو جَعْفَر الإسكافي : فلمَّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى معاوية ، كتب إلى عمّاله نسخة واحدة . ۴

1.وقعة صفّين : ص۹۲ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۷۱و راجع : بحار الأنوار : ج۳۲ ص۳۹۷ .

2.وقعة صفّين : ص۹۵ ـ ۹۷ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۷۶ ، جمهرة خطب العرب : ج۱ ص۳۱۲ ـ ۳۱۵ .

3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۸۳ وراجع : وقعة صفّين :ص۱۰۴ .

4.المعيار والموازنة : ص۱۲۴ .


مكاتيب الأئمّة ج1
346

97

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.نقل في البحار ، كتابه عليه السلام إلى معاوية مع جَرِير ، قال : يروى أنَّ الكتاب الَّذي كتبه مع جَرِير كانت صورته :« إنِّي قد عَزَلتُكَ ، فَفوِّض الأمرَ إلى جَرِيرٍ ، والسَّلامُ » . ۱

98

كتابه عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم

۰.كتابه عليه السلام إلى مِخْنَف بن سُلَيْم وغيره من العمّال :
قال نصر : وفي حديث عمر بن سَعْد قال : وكتب علي ٌّ إلى عُمَّاله ، فكتب إلى مِخْنَف بن سُلَيْم :
« سلامٌ علَيكَ ، فإنّي أحمَدُ اللّه َ إليكَ الَّذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ ، أمَّا بَعدُ ؛ فإنَّ جِهادَ مَنْ صَدَفَ عَنِ الحَقِّ رَغبَةً عَنهُ ، وهَبّ في نُعاسِ العَمى والضَّلالِ ، اختيارا لَهُ فَرِيضَةٌ علَى العارِفينَ .
إنَّ اللّه َ يرضى عَمَّن أرضاهُ ، ويَسْخَطُ على مَن عَصاهُ ، وإنّا قَد هَمَمْنا بالمَسيرِ إلى هَواءِ القَومِ ، الَّذِينَ عَمَلوا في عِبادِ اللّه ِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللّه ُ ، واستأثَرُوا بالفيءِ ، وعَطَّلوا الحُدودَ ، وأماتُوا الحَقَّ ، وأظهَروا في الأرضِ الفَسادَ ، واتَّخذُوا الفاسِقينَ ولِيجَةً مِن دُونِ المُوِنينَ ، فإذا وَلِيٌّ للّه ِ أعظَمَ أحْداثَهُم أبغَضوهُ وأقصَوهُ وحرَموهُ ، وإذا ظالِمٌ ساعَدَهُم على ظُلمِهِم أحبُّوه وأدنَوْهُ وبَرُّوهُ ، فَقَد أصَرُّوا على الظُّلمِ ، وأجمَعوا علَى الخِلافِ ، وقَدِيما ما صَدُّوا عَنِ الحَقَّ ، وتعاوَنُوا علَى الإثمِ ، وكانوا ظالِمينَ ، فإذا أُتيتَ بِكتابي هذا فاستَخلِفْ علَى عَمَلِكَ أوثَقَ أصْحابِكَ في نَفْسِكَ ، وأقْبِلْ إلينا ، لَعلَّكَ تَلْقى هذا العَدُوَّ المُحِلَّ ، فتأمُرُ بالمَعرُوفِ وتَنهى عَنِ المُنكَرِ وتُجامِعُ الحَقَّ ، وتُبايِنُ الباطِلَ ، فإنَّهُ لا غَناءَ بِنا ، ولا بِكَ عَن أجْرِ الجِهادِ ، وحَسبُنا اللّه ُ ونِعمَ الوَكِيلُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللّه ِ العَلِيِّ العَظِيمِ » . وكتب عَبدُ اللّه ِ بنُ أبي رافِع ، سنةَ سبعٍ وثلاثين . ۲

1.بحار الأنوار : ج۳۲ ص۳۹۴ ح۳۶۶ .

2.وقعة صفّين : ص۱۰۴ ، قاموس الرجال : ج۸ ص۴۵۵ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۳۹۹ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۱۸۲ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 108858
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي