337
مكاتيب الأئمّة ج1

92

كتابه عليه السلام إلى زياد بن النَّصْر وشُرَيْح

۰.« أمَّا بَعدُ ؛ فَإنِّي قَد أمَّرتُ علَيكُما مالِكا ، فاسمَعا لَهُ وأطِيعَا أمرَهُ ؛ فإنَّهُ مِمَّن لا يُخافُ رَهَقُهُ ولا سِقاطُهُ ، ولا بُطوُ عَمَّا الإسراعُ إليهِ أحزَمُ ، ولا الإسرَاعُ إلى ما البُط ءُ عَنهُ أمثَلُ ، وقد أمَرتُهُ بِمِثلِ الَّذي أمرتُكُما : ألاّ يَبدأَ القَومَ بقِتالٍ حَتَّى يَلقاهُم فيدْعُوَهم ويَعْذِرَ إليهِم ، إن شاءَ اللّه ُ » . ۱

قال خالد بن قَطَن ( الحارثي ) :فلمَّا قطع عليّ الفراتَ دعا زيادَ بن النَّضْر ، وشُرَيْح بن هانئ ، فسرَّحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الَّذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا . وقد كانا حين سرَّحهما من الكوفة مقدِّمة له أخذا على شاطى ء الفرات ، من قِبَل البَرِّ ممَّا يلي الكوفة ، حَتَّى بلغا عانات ، فبلغهما أخْذ عليّ على طريق الجزيرة ، وبلغهما أنَّ معاوية أقبل في جنود الشَّام من دمشق لاستقبال عليّ ، فقالا :
لا واللّه ما هذا لنا برَأي : أن نسير وبيننا وبين أمير المونين هذا البحر ! ما لنا خير أن نلقى جموعَ أهل الشَّام بقلّة من عددنا ، منقطِعين من العدد والمَدَد .
فذهبوا ليعبروا من عانات ، فمنعهم أهلُ عانات ، وحبسوا عندهم السُّفن ، فأقبلوا راجعين حَتَّى عبروا من هِيت ، ثُمَّ لحقوا عليَّا بقرية دون قِرقِيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنَّوا منهم ، فلمَّا لحقت المقدِّمة عليَّا قال :
« مُقدِّمتي تأتي مِن ورائي ؟ »
فتقدَّم إليه زياد وشُرَيْح ُ فأخبراه بالرَّأي الَّذي رأيا ، فقال :
«قد أصَبتُما رُشدَكُما » .
فلمَّا عَبَر الفرات قدَّمهما أمامَهُ نحو مُعاوَيِة َ ، فلمَّا انتَهوا إلى معاوية ، لقيهم أبو الأعْوَر السَّلمي ّ في جند أهل الشَّام ، فدعَوهم إلى الدُّخول في طاعة أمير المونين فأبوا ، فبعثوا إلى عليّ : إنّا قد لقينا أبا الأعْوَر السَّلمي ّ بِسُور الرُّوم في جند من أهل الشَّام ، فدعوناه وأصحابه إلى الدُّخول في طاعتك فأبَوا علينا ، فمرنا بأمرك .
[ ألا ترى مدح أمير المؤمنين عليه السلام الأشْتَر بقوله : « لا يُخافُ رَهَقُهُ » ، والرَّهَقُ مُحَرَّكَةٌ : السَّفَهُ ورُكوبُ الشَّرّ ، والظُّلم وغشيانُ المَحارِمِ إنْ كانَ مَصْدَرا ، وأمّا إن كانَ إسما من الإرهاقِ فَهُو بمعنى حَمْلِ الإنسانِ علَى ما لا يُطِيقُ ، وعلى التُّهمةِ والإثْمِ ، أي لا يخاف أن يغشى المحارِمَ ويظلمَ النَّاسَ ويَخُونَ المُسلِمينَ ، أو يحملهم على ما لا يُطيقون ، يعني أنَّه مأمون من هذه الجهات ، كما أنَّ قوله عليه السلام « ولا سِقاطِهِ » بالكسر : يعني العثرةَ والزلّة يدلّ ، على أنَّ الأشْتَر مأمون أيضا من جهة عثاره ، فهو مأمون من أن يرتكب شيئا فيه الإثْمُ والفسادُ عمدا وخطأً ، كما أنَّ قوله عليه السلام : « و لا بُطؤهُ عمَّا الإسراعُ إليهِ أحزَمُ » ، يفيد كمال العقل والتدبير في الحرب ، بحيث صار مأمونا عن الإبطاء إذا كان الإسراع موافقا للحزم والاحتياط ، أو الإسراع فيما كان الإبطاءُ فيه موافقا للحزم والاحتياط .
هذه الأوصاف الَّتي وصف بها الأشْتَر تقرب من أوصاف العصمة ، كما أنَّهُ عليه السلام أوصاه عند إرسالِهِ إلى مِصر َ فقال : « فاخرُجْ فإنّي لَم أُوصِكَ اكتفيت برَأيك َ » ].

1.وقعة صفّين : ص۱۵۴ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۴۱۴ ح۳۷۴ وص۴۳۲ ح۳۸۷ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۶۷ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۳ ص۲۱۳ وج۱۵ ص۹۸ وراجع : نهج البلاغة : الخطبة ۱۳ ؛ الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۹۳ .


مكاتيب الأئمّة ج1
336

فقال ابن أبي الحديد في شرح الكتاب :
ثُمَّ أمرهم بأن يطيعوه في جميع ما يأمرهم به من الإقدام والإحجام ، وقال : إنَّهُ لا يُقدّم ولا يُوّر إلاَّ عن أمري ، وهذا إن كان قاله مع أنَّه قد سنح له أن يعمل برَأيهِ في أمور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدّا ، لأنَّه يكون قد أقامه مقام نفسه ، وجاز أن يقول إنَّه لا يفعل شيئا إلاَّ عن أمري ، وإن كان لا يراجعه في الجزئيات على عادة العرب في مثل ذلك ، لأنَّهم يقولون فيمن يثقون به نحو ذلك . . . هذا القول عن الأشْتَر ، لأنَّه قد قرَّر معه بينه وبينه ألاّ يعمل شيئا قليلاً ولا كثيرا إلاَّ بعد مراجعته ، فيجوز ، ولكنَّ هذا بعيد ؛ لأنَّ المسافة طويلة بين العِراق ومصر وكانت الأمور هناك تقف وتفسد . ۱
[ ولا يخفى على أحد أهمية وقيمة هذه الكلمات التي صدرت عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، المعصوم الَّذي لا يخاف لومة لائم ولا يتكلّم ولا يكتب إلاَّ بِحَقٍّ . ]

1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۶ ص۱۵۹ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 108548
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي