281
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
280

60

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب :« أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُك تَذْكُرُ فيه اصْطِفَاءَ اللّه ِ مُحَمَّد ا صلى الله عليه و آله لِدِينِهِ وتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ بمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنا الدَّهْرُ مِنْك عَجَبا ؛ إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاءِ اللّه تَعَالَى عِنْدَنَا ، ونِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا ، فَكُنْتَ فِي ذَلك كَنَاقِلِ التَّمْرِ إلى هَجَرَ ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إلى النِّضَالِ ، وزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الإِسْلامِ فُلانٌ وفُلانٌ ، فَذَكَرْتَ أَمْرا إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَك كُلُّهُ ، وإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ .
ومَا أَنْتَ والْفَاضِلَ والْمَفْضُولَ ، والسَّائِسَ والْمَسُوسَ ، ومَا لِلطُّلَقَاءِ وأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ والتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ ، وتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ ، وتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ ، هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا ، وطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا .
أَلا تَرْبَعُ أَيُّهَا الإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ ، وتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ ، وتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ ، فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ ، ولا ظَفَرُ الظَّافِرِ ، وإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ .
أَ لا تَرَى ـ غَيْرَ مُخْبِرٍ لَك ،َ ولَكِنْ بِنِعْمَةِ اللّه أُحَدِّثُ ـ أَنَّ قَوْما اسْتُشْهِدُوا فِي
سَبِيلِ اللّه تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِين َ ، والأَنْصَار ِ ، ولِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ ، وخَصَّهُ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاتِهِ عَلَيْهِ ، أَ ولا تَرَى أَنَّ قَوْما قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه ـ ولِكُلٍّ فَضْلٌ ـ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ ، قِيلَ : الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وذُو الْجَنَاحَيْنِ ، ولَوْلا مَا نَهَى اللّه عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُومِنِينَ ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ ، فَدَعْ عَنكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ ۱ ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا ، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ، لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا ، ولا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا ، فَنَكَحْنَا وأَنْكَحْنَا فِعْلَ الأَكْفَاءِ ، ولَسْتُمْ هُنَاكَ ، وأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ ، ومِنَّا النَّبِيُّ ومِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ ، ومِنَّا أَسَدُ اللّه و مِنْكُمْ أَسَدُ الأَحْلافِ ، ومِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ومِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ ، ومِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، ومِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وعَلَيْكُمْ .
فَإِسْلامُنَا قَدْ سُمِعَ ، وجَاهِلِيَّتُنَا لا تُدْفَعُ ، وكِتَابُ اللّه يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا ، وهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى : « وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللَّهِ »۲ .
وقَوْلُهُ تَعَالَى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ »۳ ، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ ، وتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ ، ولَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُون َ عَلَى الأَنْصَار ِ يَوْمَ السَّقِيفَة ِ بِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَلَجُوا عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ ، فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ ، وإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالأَنْصَار ُ عَلَى دَعْوَاهُمْ .
وزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ ، وعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ . وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
وقُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ ، ولَعَمْرُ اللّه لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ ، وأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ ، ومَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوما ، مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّا فِي دِينِهِ ، ولا مُرْتَابا بِيَقِينِهِ ، وهَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا ، ولَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا .
ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وأَمْرِ عُثْمَانَ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ ، فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ ، وأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ ؟ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ واسْتَكَفَّهُ ؟ أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ ، وبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ ، حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ ؟ كلاَّ واللّه لقَدْ يَعْلَمُ اللّه ُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ، والْقائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ : هَلُمَّ إِلَيْنا ولا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً .
ومَا كُنْتُ لأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثا ، فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وهِدَايَتِي لَهُ ، فَرُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ . وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ.
وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وما تَوْفِيقِي إلاّ بِاللّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ .
وذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي ولأَصْحَابِي عِنْدَكَ إلاَّ السَّيْفُ ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ ! مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِب ِ عَنِ الأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ؟ !
فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ
فَسَيَطْلُبُك مَنْ تَطلُبُ ، ويَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ ، وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِين َ والأَنْصَار ِ ، والتَّابِعِين َ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ ، وقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ ، وسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وخَالِكَ وجَدِّكَ وأَهْلِكَ ،
« وَ مَا هِىَ مِنَ الظَّــلِمِينَ بِبَعِيد ٍ »۴ . ۵

1.الرَّمِيَّة: الصيد الذي ترميهِ فتقصِده، فينفذُ فيه سَهمُكَ . (النهاية: ج ۲ ص ۲۶۸ «رمى»).

2.الأحزاب :۶ .

3.آل عمران :۶۸ .

4.هود :۸۳ .

5.نهج البلاغة : الكتاب۲۸ وراجع : الفصول المختارة : ج۲ ص۲۳۳ ، وقعة صفِّين : ص۸۸ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج۳ ص۱۶۵ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۵ ص۷۳ ، الفتوح : ج۲ ص۴۷۷ ، العقد الفريد : ج۴ ص۳۳۵ ، أنساب الأشراف : ج۲ ص۲۷۹ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 107690
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي