13
إكسير المحبّة

ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي الذي رواه عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال مخاطبا اللّه عزّ وجلّ :

۰.«وأنَّ الرّاحِلَ إلَيكَ قَريبُ المَسافَةِ ، وأنَّكَ لا تَحتَجِبُ عَن خَلقِكَ إلاّ أن تَحجُبُهُمُ الأَعمالُ دونَكَ» ۱ .

إنّ الإمام السجّاد عليه السلام يصرّح في هذا الكلام أنّ جمال اللّه غير محجوب ، وإنّما يأتي الحجاب من قبل الرذائل ، ولو أنّ حجاب صدأ المعاصي اُزيل عن مرآة القلب لوصل الإنسان آنذاك إلى المعرفة الشهوديّة .
نستنتج في ضوء ما تقدّم أعلاه :
أوّلاً : لا تعتبر تجلية القلب طريقا ثانيا للمعرفة الشهوديّة ، بل تكفي تخلية القلب وتطهيره من غبار المعاصي لبلوغ المعرفة الشهوديّة ، أمّا تحليته بالأعمال الصالحة فهي ممّا يزيد من قوّة هذه المعرفة .
ثانيا : إنّ حُجُب معرفة اللّه وموانع محبّته هما أمر واحد ؛ لأنّ المعرفة الشهوديّة للّه تقترن ـ كما علمنا ـ بمحّبته ، ولهذا فإنّ الّذين أزاحوا حجب المعرفة الشهوديّة بالتقوى إنّما قطعوا بإكسير محبّته أسباب محبّة غيره ، وهؤلاء وصفهم الإمام الباقر عليه السلام بقوله :

۰.« ... قَطَعوا مَحَبَّتَهُم بِمَحَبَّةِ رَبِّهِم ... ونَظَروا إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وإلى مَحَبَّتِهِ بِقُلوبِهِم» ۲ .

1.مصباح المتهجّد : ۵۸۳ / ۶۹۱ .

2.راجع : ص ۴۸ ، ح ۴۰ .


إكسير المحبّة
12

واُولو العلم ، كما قال اللّه سبحانه وتعالى : « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُو لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلـلـءِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ »۱.
وقد وصف الإمام عليّ عليه السلام شدّة حبّ الطائفة الاُولى ـ أي الملائكة ـ للّه ، بقوله :

۰.« ... قَدِ استَفرَغَتهُم أشغالُ عِبادَتِهِ ، ووَصَلَت حَقائِقُ الإِيمانِ بَينَهُم وبَينَ مَعرِفَتِهِ ، وقَطَعَهُمُ الإِيقانُ بِهِ إلَى الوَلَهِ إلَيهِ ، ولَم تُجاوِز رَغَباتُهُم ما عِندَهُ إلى ما عِندَ غَيرِهِ ، قد ذاقوا حَلاوَةَ مَعرِفَتِهِ ، وشَرِبوا بِالكَأسِ الرَّوِيَّةِ مِن مَحَبَّتِهِ» ۲
.

۰.ووصف الإمام الصادق عليه السلام لذّة الطائفة الثانية من معرفة اللّه بقوله :«لَو يَعلَمُ النّاسُ ما في فَضلِ مَعرِفَةِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ لَما مَدّوا أعيُنَهُم إلى ما مَتَّعَ اللّهُ بِهِ الأَعداءَ مِن زَهرَةِ الحَياةِ الدُّنيا ونَعيمَها ، وكانَت دُنياهُم أقَلَّ عِندَهُم مِمّا يَطَؤونَهُ بِأَرجُلِهِم ، ولَنَعِموا بِمَعرِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ ، وتَلَذَّذوا بِها تَلَذُّذَ مَن لَم يَزَل في رَوضاتِ الجِنانِ مَعَ أولياءِ اللّهِ ...» ۳ .

السبيل إلى بلوغ المعرفة الشهوديّة

يتلخّص السبيل إلى بلوغ المعرفة الشهوديّة بالتخلية والتجلية ، فالتخلية تعني تنظيف مرآة القلب من صدأ الرذائل وكدورتها ، فقد

1.آل عمران : ۱۸ .

2.اُنظر : ص ۴۵ ، ح ۲۹ .

3.اُنظر : ص ۴۶ ، ح ۳۳ .

  • نام منبع :
    إكسير المحبّة
    المساعدون :
    التقديري، محمد؛ المسعودي، عبد الهادي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 63616
الصفحه من 144
طباعه  ارسل الي